شاهدت في الأيام الماضية، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بعض المقاطع عن البروفيسور علي بن عبدالله الدفاع، أستاذ الرياضيات في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، قبل تقاعده في عام 2008 بعد 36 عاما قضاها في التدريس والبحث العلمي والتأليف، والكتابة الصحفية التي استهوت الكثيرين من القراء، فتداعت على الذاكرة سيرة ومواقف رجل فذ، من يتعرف عليه سوف يتعرف على الكثير من الصفات الأصلية والطباع النبيلة، وهو من الذين يتركون في ذاكرة من يتعرفون عليه انطباعا إيجابيا؛ لعفة لسانه، وسمو أخلاقه، ولين جانبه. وطوال سنوات، وقبل أن تفرق بيننا الظروف، كنت أراه في جريدة «اليوم»، يوم أن كان من أبرز كتابها، ينأى بنفسه عن الخوض في سير الناس وأحوالهم، ولا أذكر أنه تطرق في حديثه لأحد بسوء، وهو شديد الحرص على أن يعيد للأذهان ما قدمه العلماء العرب من إسهامات خدمت البشرية على مر التاريخ، وكانت نظرته للحياة والناس مفعمة بالتفاؤل والأمل، والطموح الكبير في أن يعم الخير والسلام ربوع العالم، وكثير ما يتحول مكتب رئيس التحرير في الجريدة عند حضوره، إلى منتدى يستفيد منه المحررون، بما يطرحونه من أسئلة يوجهونها لهذا العالم الجليل في شتى شئون وشجون الحياة والثقافة، فتكون إجاباته مكتنزة بالمعلومات، والاستشهاد بقصص ومواقف بعض العلماء العرب، ومع مكانته العلمية السامقة، فهو متواضع في حديثه دون ادعاء المعرفة أو الإيحاء بالفوقية، وكأني به مع تلاميذه في الجامعة وهو يتحدث إليهم بنفس الأسلوب الأخوي الحميم، وهو العالم الحاصل على الأستاذية في أرقى الجامعات، والذي وصلت مؤلفاته إلى ما يقرب الخمسين مؤلفا، ترجم بعضها إلى العديد من اللغات، وأذكر ذات حديث معه عن دور النشر العربية والأجنبية، وحرص الأخيرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤلفين، بينما دور النشر العربية لا تحرص كثيرا على حفظ حقوق المؤلف، وحينها ذكر أن دار نشر يابانية ترجمت أحد كتبه في الرياضيات، واستمرت في دفع حقوقه المادية بشكل دوري منتظم، وهو الأمر الذي لم تحرص عليه دور النشر العربية التي تولت نشر وتوزيع مؤلفاته. وكان يكتب في صفحة "الرأي" بالجريدة، ولأهمية طروحاته العلمية، تم تخصيص زاوية مستقلة عن صفحة الرأي، قدم فيها كتاباته العلمية، بأسلوب يسهِل ما استصعب منها إلى ذهن القارئ العادي. ركز في معظم ما كتبه من مؤلفات وأبحاث ومقالات على العلوم البحتة، حتى سمي ب «ملك التكامل» في الرياضيات، كما ركز على إسهامات العلماء العرب في كثير من المجالات العلمية مثل: علوم الصيدلة والفيزياء والنبات والحيوان، والرياضيات، وما حظيت به العلوم البحتة من اهتمام في الحضارة العربية، وأسهم في ترجمة بعض الكتب في حساب التفاضل والتكامل والهندسة التحليلية، وكان رئيسا للاتحاد العربي للرياضيات والفيزياء، وتولى رئاسة قسم العلوم الرياضية وعمادة كلية العلوم بالجامعة، كما عمل كأستاذ زائر في جامعة الرياض وجامعة هارفرد الأمريكية، في زمن ندر فيه العلماء العرب المشاركون في الجامعات الأمريكية. والبروفيسور الدفاع وقد وصل إلى هذه المرحلة من الشهرة على مستوى العالم، وهو ممن أسهموا في بناء الأجيال التي تقود النهضة التنموية المباركة في هذا الوطن العزيز.. جدير بالتكريم، من مؤسساتنا الرسمية والأهلية، أطال الله في عمره، ومنحه الصحة والعافية. وهو بالنسبة لكل من عرفه: رجل لا ينسى. [email protected]