الوزير البريطاني اللورد مايكل بيتس عن مجلس العموم لعدة دقائق، وعندما اكتشف أن المجلس قد ناقش خلال تأخره سؤالًا موجّهًا له، قال: أشعر بالعار؛ لأني لم أكن موجودًا لأجيب عن السؤال، ولهذا أعلن استقالتي الفورية، ثم غادر الجلسة. تلك اللحظات الحاسمة، الأحرى أنها كانت محصّلة لحياة مليئة بثوابت عُليا من المعتقدات والقِيَم والأعراف، على نسق فردي متميّز عن قصد ووعي مزوّد بهوية تتجاوز الهوس بالمناصب، وتعلو عن الطبقية نابعة من شيء نادر ينساب لبُنى ثقافية معينة تنتظم فيها الهويات الفردية البحتة مع الهويات الجمعية، رغم اختلاف المشارب، فسلوك البشر ليس معطيات مجردة، بل يتحدد بالوجود الاجتماعي، والأنا تؤثر في إنتاج الأنا الآخر. الضمير، كما جاء في معجم المعاني: هو ما يُضمر في النفس ويصعب الوقوف عليه، وهو استعداد نفسي لإدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأقوال والأفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحسن واستقباح القبيح منها. وتأنيب الضمير: عذاب/ وخز الضمير: ما يحسه الفرد من عذاب أو ندم أو اتهام لذاته بارتكاب غلطة أو خطأ نتيجة سلوك قام به. ويا له من وخز، في عملية لا تتوقف، أزلية، سرية، خفية، إلا أن لها هديرًا وصخبًا يكتم الأنفاس، وتلابيب تنغرس في البشرة، مهما كان التعليل ليلتمس الحق، وأبدع الروائي دستويفسكي في وصف ذلك الوخز إثر ندم قاتل المرأة الطاعنة في السن والاستيلاء على مالها في (الجريمة والعقاب) 1866. وكما يقول البطل: محاكمة النفس أصعب وأبغض من المحاكمة الأرضية باسم القانون، فالقانون هنا ينطلق من الضمير، فلا قوة كقوة الضمير.«فيكتور هوجو». والنفس اللوّامة التي أقسم بها خالقنا، نحن أولى بها، إلا أن الارتداد بنفوس تنأى عنها، بمقاييس مزيفة، بخيانة للوطن، لنمط مشوّه ممن يُحتذى بهم، سواء كان هؤلاء مَن يغذون الموقف العام للشعب أو العكس، فهم المصدر والأساس الصدئ، وتفاقمت أدوات العزل والفرقة والطبقية والاختلاف، والهوية الفردية المتناقضة عن الهوية الجمعية الإنسانية، وتعطيل لعمليات التغيير؛ لأن المستقبل يستند إلى مقوّمات قيمية وعادات متأصلة، ومن فرد لمجموعة تتبعه، تتأثر به ويتأثر بها. كالمتسلقات من أغصان اللبلاب، لا يهمها على ماذا تحكم زحفها. الضمير الحي، تتعدد العوامل المنتجة له، فهو متشابك من مجموعة صفات كالشجاعة، الصدق، الاعتداد بالنفس، الثقة والطموح، الكدح والمحبة، وأن النفس أغلى من المادة، والحقيقة أزلية، وإن لم يرَها الكل. ساكنًا مطمئنًا ماضيًا في الصعود، إلى منطقة الراحة، إلى النجاة، للشطآن. والمتعة التي تحصل عند سقي الضمير الحي بماء عذب، ليزهر وينمو، بتقبّل الواقع، والجد فيه، ويعيش التجربة الحرة، بلا كيد أو مؤامرات، تحت قرص الشمس، بدون كلمات سرية، أو مغربلة، بعيون ترى الكادحين بآذان تسمع أنين المرضى، والأرامل والمسنين، مهما انهمرت دموع، أو وقعت المصائب، أو زلزلت الأحداث صاحبها، الضمير الحي هو الجزء الصغير الكبير الذي لا يمكن أن يتصدع. الفطرة النقية، الضمير هو أهم نواة للولاء، الذي يزخم به بلا شك.. كشجرة السرو الباسقة، الوزير البريطاني اللورد مايكل بيتس.