في كل دول العالم هناك شكوى دائمة ومتكررة من تصرفات الموظفين الصغار وفسادهم الإداري والمالي. وفِي نماذج مرصودة وموثقة أن فشل أداء الحكومات لا يجب أن يُسأل عنه الموظفون القياديون فقط، بل يُسأل عنه، أيضا، من يقعون في وسط أو أسفل السلم الوظيفي؛ لأنهم يمثلون دائمًا نهاية المطاف لأي معاملة لدى هذه الجهة أو تلك. عادة الوزير أو الوكيل أو المدير يحيل المعاملة من أول نظرة عليها إلى المساعدين الذين يحيلونها لمن دونهم ثم يحيلها هؤلاء لمن دونهم إلى أن تصل إلى أصغر موظف. ووقتها إما أن يكون هذا الموظف جيدًا وصاحب ضمير، وإما أن يكون سيئًا خلوا من الضمير والمسؤولية فيتسبب في تعطيل المعاملة أو التسويف في إنجازها أو تغيير مسارها، الذي بدأ صحيحًا من فوق، لغرض أو مجموعة أغراض في نفسه. هذا الغرض يكون في الغالب، حسب بعض الدراسات الإدارية، بحثًا عن رشوة، أو ممارسة للابتزاز الأخلاقي، أو تآمرًا مع خصم في المعاملة ذاتها، أو لمجرد النكاية فقط بصاحب المعاملة لمواقف أو خلفيات شخصية وانتقامية. المشكلة مع الموظفين الصغار، بعكس الموظفين الكبار، أنه لكثرتهم وتعدد مواقعهم الوظيفية، تصعب مراقبتهم والحد من تصرفاتهم وفسادهم الإداري. أنت يمكن أن تحصر وتراقب ألفًا أو خمسة آلاف من الموظفين الكبار وتراقبهم وتحاسبهم، لكنك لن تستطيع أن تحصر وتراقب وتحاسب مئات الآلاف أو الملايين من الموظفين الصغار الذين ينتشرون عبر دوائر الحكومة ويتوزعون في مناطق قريبة وبعيدة عن المركز. لذلك لجأت بعض الدول، فيما يخص فساد صغار الموظفين، إلى حل أثبت نجاحه بشكل كبير وهو أن تنشئ جهازًا حكوميًا مركزيًا لتلقي شكاوى المواطنين من أداء وتصرفات الموظفين الصغار والتحقيق فيها واتخاذ إجراءات بحق الموظف المستهتر أو المستغل لوظيفته بشكل جاد ومستمر. ومع ذلك لم تقض هذه الدول على الفساد الإداري والمالي، لدى المستوى الوظيفي المتوسط والأدنى، قضاءً كاملًا لكنها حدت منه بشكل كبير، فالموظف الصغير يجد دائمًا طريقًا يهرب منها إلى سوء الأداء وتحقيق أغراضه الفاسدة. ma_alosaimi@