فيما تتكتم القاهرة على نجاحها في السيطرة على مساع اسرائيلية استمرت على مدار العام الماضي في عرقلة توريد صفقة غواصات ألمانية الى القاهرة منذ جرى التعاقد عليها في نوفمبر الماضي قطعت مصادر مصرية متابعة لتطورات هذا الملف بأن الصفقة قائمة وأن ألمانيا ستفي ما جرى عليه لتوريد غواصتين من طراز 902 رغم التحديات القائمة. وكان كل من وزيري الدفاع والخارجية الالمانيين قد أثارا الموضوع خلال الأسبوع الماضي، فلدى زيارة وزير الخارجية جيدو فيسترفيله اسرائيل أثير هذا الموضوع على خلفية تخوف تل أبيب من حصول القاهرة على الصفقة وأن كلا من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، وايهود باراك وزير الدفاع قد حرضا ألمانيا على تجميد الصفقة، متظاهرين بتخوف البحرية المصرية من انشاء منصة دفاعية بحرية يمكن استخدامها ضد اسرائيل فى مواجهة محتملة، مذكرين بالتزام ألماني سابق العهد بضمان التفوق النوعي لاسرائيل وعدم توريد أسلحة لأي دولة في المنطقة يمكنها أن تلعب دورا ليس فى صالحها، لكن الرد الالماني الذي توقفت عنده صحف اسرائيلية عديدة بأن الرد الالماني جاء فى سياق الالتزام بالتعاقد مع مصر من جهة وهو ما يقتضي الوفاء به، ومن جهة أخرى عدم التدخل في سياسة ألمانيا إزاء ابرام تعهدات من هذا النوع. خبراء مصريون أجمعوا على أن الصفقة مهمة، بغض النظر عن فكرة التفوق النوعي فيها، فمصر الآن معنية أولا بتنويع مصادر السلاح كما يقول الخبير الأمني اللواء سامح سيف اليزل الذى يؤكد أن الغواصات من نوع 902 هي أقل في الامكانات من نظيرتها دولفين التى حصلت اسرائيل على نسخ منها من ألمانيا خلال السنوات العشر المنقضية، ويفترض أن اسرائيل لديها اتفاق قائم مع الحكومة الالمانية بموجبه ستتسلم غواصة دولفين جديدة، ستكون الأغلى والأكثر كفاءة من نوعها فى العالم بحلول العام المقبل 2013. وكانت وردت لها خلال العقد الماضي غواصتان من نفس النوع انتاج شركة HDW المتفردة ببناء هذا النوع من الغواصات الأكثر شهرة عالميا، وتقدر على حمل صواريخ «بوباى» ومزودة بتوربيد SLM من شركة رفائيل للصناعات العسكرية وتحمل رؤوس نووية تصل الى وزن200 كجم من إنتاج المفاعل النووى الاسرائيلي فى ديمونة، وتم تصنيعها سراً في ألمانيا بناء على طلب إسرائيل وزودت بأربع أنابيب توربيد يخرج منها صواريخ تضرب أهدافاً برية. عرقلة صفقات التسلح لمصر اللواء جمال مظلوم المستشار العسكري بأكاديمية نايف للعلوم الأمنية بالرياض يؤكد أنها ليست المرة الأولى التى تسعى فيها اسرائيل إلى عرقلة صفقات تسلح لمصر. كما أن ألمانيا ليست المصدر الوحيد الذي سعت اليه لافشال صفقات من هذا النوع أو غيره، وإنما هناك عشرات الصفقات التى أجهضتها مع واشنطن وغيرها من قبل، وهو ما اتفق معه الخبير العسكري صفوت الزيات الذي اعتبر أن اسرائيل وإن بقيت الأوفر حظا في الحصول على هذه الغواصات التي بنيت خصيصا لها في ألمانيا وفق طرازات يمكن تطويرها سريعا لحمل الصواريخ النووية، وهنا يتم الاتفاق على سعات خاصة بالخزانات وشكلها ومن ثم يمكن لهذه الغواصات أن تعمل بالوقود العادي « الديزل» . وزير الدفاع الالماني «توماس دي ميزير» دخل على خط رفض التدخل الاسرائيلي في الصفقة بقوله : «إنه لا يوجد بلد في العالم يمتلك حق النقض الفيتو على قرارات الحكومة الألمانية» كان واضحا حسب المراقبين والخبراء فى رسالته الى اسرائيل رغم حديثه عن «احتمالية توريد المانيا» وهو عدم التأكيد من جانبه بالنظر الى أن القاهرة عليها التزامات فى التعاقد، وعليها أن تفي بها وهو ما يعني ان التزام الطرفين بالتعاقد سيكلل بالنجاح رغم التحدي الاسرائيلي «. تطورات سلاح البحرية المصرية من جانبها تراقب اسرائيل تطورات سلاح البحرية المصرية، وربما كافة الأسلحة كما يقول اللواء مظلوم لكن الأزمة هى ان استراتيجيات التطوير المصرية لابد أن تتسع سريعا الى قدرة الانتاج حتى ولو كان أقل فى الكفاءة المطلوبة، لكنه سيعني الكثير استراتيجيا ضاربا المثل فى ذلك بالصناعات البحرية الايرانية، معتبراً أن مسؤولية النظام السابق على هذا الموضوع تجعل من المطلوب الآن فتح هذه الملفات واعادة قراءتها واتخاذ قرارات بشأنها، وقال : « حينما يكون لدينا فى المنطقة العربية 200 الف دبابة تقريبا وتحتاج الى صيانة دورية فإننا بحاجة الى 200 سنة لصيانتها وفق الآلية الحالية وعليه فنحن نسرف ونهدر الكثير من الأموال فى التعافد على صفقات تدخل اسرائيل على الخط لافشالها دوما، ليس بسبب نظرية التفوق الدفاعي فقط كما تدعي لكن لممارسة نوع من الابتزاز السياسي للحصول على منح، فهى تبتز المانيا الآن للحصول على غواصات دون مقابل أو بمقابل رمزي أو ابتزاز واشنطن في صفقات سلاح من نوع آخر «، مضيفا «لماذا تدعي اسرائيل أن سلاح البحرية المصري مقلق لها وهي متفوقة فيه نوعيا ؟ إن لم يكن الأمر فيه ابتزاز صريح، إن سواحلنا البحرية تزيد على 30 ضعف سواحلها.. أليس من الطبيعى أن نزيد امكاناتنا بما يتوافق وحجمنا ومساحاتنا ؟ فمهام القوات البحرية تشمل حماية أكثر من 2000 كيلومتر من الشريط الساحلي للبحر المتوسط والبحر الأحمر، فضلا عن تأمين سلامة الملاحة في قناة السويس. تغيير مفهوم التوازن الاستراتيجي والتسلحي جاكي خوري الصحفي العربي في هاآرتس أكد فى تصريحات خاصة على أن اسرائيل من المؤكد أنها منزعجة من الأمر بشكل عام، لأنه سيغير مفهوم التوازن الاستراتيجي والتسلحي بالنسبة لها فهي تريد أن تضمن تفوقا على طول الخط ، لكنه أشار الى ان الملف رغم انه حظي باهتمام سياسي فى تل ابيب، لكنه لم يحظ بالتناول الإعلامي الذي يعطي الزخم دوما لقضايا مصرية مثل الشئون الداخلية المصرية وتطورات الأوضاع فى سيناء ما يقلق اسرائيل فى هذا الملف ووفق ما ذكرته تقارير تسلح منشورة هو أن سلاح البحرية المصرية سيمتلك بالتوازي مع صفقة التسلح أربعة زوارق صاروخية متطورة من طراز FMC تمت صناعتها بالولايات المتحدة، ويبلغ وزنها 800 طن، مشيرة إلى أن تلك الزوارق قادرة على الإبحار لوقت طويل ولديها قدرات هجومية ودفاعية على أعلى مستوى، فى حين أنه من المعروف ان البحرية المصرية تمتلك 4 غواصات من نوع روميو وهى نسخة روسية صينية، لكن مصر أدخلت عليها تعديلات، حيث أضيفت اليها صواريخ هاربون. كما طورت نظام الرادار والسونار بها، مع العلم بأن سلاح البحرية المصري رغم أنه من أصغر الأسلحة فى الجيش، إلا أنه يفوق نظيره الاسرائيلى 3 مرات على الأقل عددا، بينما هناك تقديرات إسرائيلية حسب خبير متخصص فى الشؤون الاسرائيلية بانه على الرغم من التفوق النوعي الظاهر، إلا أن هناك تقديرات اسرائيلية عدة بان مصر أكثر تفوقا على المستوى الاستراتيجي، وقطع الخبير بأن ما سيحسم مصير هذه الصفقة هو الإعلان عن الموعد النهائي للتسليم، فلا تقل إن جهة بامكانها أن تحسم أن برلين ستبقى على الوفاء بهذا الالتزام خاصة أن اسرائيل لن تكل من محاولات اجهاضها، ومن الواضح أن هناك إطارا سياسيا حاكما للصفقة، فالأوضاع في مصر اليوم مختلفة، فإلى أى مدى يبقى امداد سلاح لمصر غير مقلق لدول عظمى في ظل نظام مدني ورئيس ذي خلفية إسلامية ؟ وإلى أى مدى العلاقة بين المدنيين والعسكر بعد تجربة تداول الحكم مهمة فى حسم ملفات التسلح ؟ وإلى أي درجة يصل منظور اسرائيل للعلاقة مع مصر ومن ثم إعادة تصدير هذا المنظور لحلفاء اسرائيل فى العالم؟