لا خطابات الزعماء .. ولا اجتماعات مجلس الأمن والأمم المتحدة .. ولا دول عدم الانحياز .. ولا أوبك ولا " الفيتو" ولا غيرها من المؤتمرات الدولية والأحداث العالمية .. تجعل البشر كلّ البشر تتسمّر على شاشات التلفزة .. كما هو الحال في مواجهات ريال مدريد وبرشلونة .. وهذه حقيقة غير قابلة للجدل .. فالمواجهة ما بين ميسي وكريستيانو رونالدو .. أصبحت لمعظم البشر حتى الغارقون في الأحزان والحروب .. حتى للذين لا يجدون قوت يومهم .. وحتى للأغنياء والأثرياء الذين لا يعرفون كم يملكون من المال .. محطة استمتاع .. تختلف في لذّتها عن أيِّ شيءٍ آخر ..!! لو استغل مجلس الأمن تأثير الريال والبرشا على البشر .. وانتدبوهم سفراء لوقف الحروب .. والتقليل من المجاعة والجريمة .. لكان وضع العالم أفضل مما عليه في الوقت الراهن ..وهذه ليست مزْحةً ولا نكته .. فما يملكه هذان الفريقان من حُبٍ في قلوب البشر .. يُحوِّل الأرض القاحلة لواحةٍ خضراء ..!! لا أعرف لماذا انتابني شعور بأن العالم كلّ العالم نسى همومه وأوجاعه وكلَّ الألم الذي يعتصِرُ في قلوب البشرية من حروبٍ وقتلٍ ودمار .. وأعلن الزعماء والحكماء .. وحتى العصابات هُدنةً لمدة ساعتين من أجل متابعة البرشا والريال في نهائي كأس السوبر الأسباني ..!! لا أعرف لماذا تختلف كرة القدم في محطة البرشا والملكي عن غيرها .. مُتعتُها أكثر .. حيويته أكبر .. مشاغبتها أميز .. سخونته أعلى .. متابعتها تُشعِر أنّ كل العالم يشاهدها .. الكرة أصبح لها إحساس وذوقٌ وفن ومتعة.. لم تعُد جامدةً.. بل هي عالم مؤثر في المال والاقتصاد والاجتماع.. أليس كذلك..؟! و بدأتُ أقتنعُ بأنَّ الجماد في العصر الحديث هو الأكثر تأثيرًا على حياة البشر.. بل هو المسيطر الأول على قلوبهم وعقولهم وانفعالاتهم وفرحهم وحزنهم.. صحيح أنّ الأدوات هم البشر ذاتهم.. ولكن الأداة تعتبر من مكوِّنات الجماد..!! لن أُطيل في فلسفتي في مقدّمة سرقتُها من عنفوان البرشا والملكي .. فهذه المواجهة لها أفراح وأحزانُ .. هناك من يضحك وهناك من يبكي .. ويتساوى في هذا الفرح والبكاءِ الجميعُ ممَّن يعشقون المجنونة كرة القدم ..!! لقد دخلت " الكرة "حياة البشر والشعوب.. وأصبحت لُغةً سلام.. وأحيانًا لغة حروب.. وأصبحت أيضًا في أجندة البعض أهم من المال والجاه.. تؤثّر في البشر دون أن تتأثر.. لا تملك إحساسًا ولا مشاعر.. فقد ترمي بالمجتهد والفنان في قاعة الأحزان.. وتزجُّ بالمُترهِّل داخل بيتِها العامرِ في المستطيل الأخضر بعامل الحظ أو ظُلمِ الصافرةِ في نشوة الأفراح .. والحقُّ يُقال لو كان وضعُ البرشا في وضع الملكي في نهائي السوبر لخرج بما لا يقِلُّ عن خمسة أهداف .. فهو فريق لا يرحم ولا يشبع من وفْرة الأهداف .. ولكن العكس هو الذي حدث، هدفان للملكي وطرد للبرشا في أقل من نصف ساعة .. وبالكاد خرج فائزا .. !! لا أعرف لماذا تختلف كرة القدم في محطة البرشا والملكي عن غيرها .. مُتعتُها أكثر .. حيويته أكبر .. مشاغبتها أميز .. سخونته أعلى .. متابعتها تُشعِر أنّ كل العالم يشاهدها .. إحساسٌ تولّد للجميع حتى من صُنّاع الفن والمهارة البرازيليّين أنفسِهم ..!! هي كرة القدم التي لا تعترف بصديقٍ وعدو.. كلاهما في أجندتها صنفٌ واحد.. تصبح صديقة وعدوًا في آنٍ واحد.. تفرح وتبكي.. لديها آليةُ تحكُّمٍ في قلوب ملايين البشر.. رغم أنها جمادٌ يركُلها مَن يشاء.. لكنها تضحك في نهاية المطاف.. فهي المعشوقة في الأحياء والقرى والمدن والدّول.. متوغِّلة في قلوب الفقراء والأغنياء.. يُحبّها الأبيضُ والأسود والصغير والكبير والمثقف والجاهل.. ويُصرف من أجلها مليارات الدولارات.. !! كرة القدم التي رفعت فقراء لا يجدون قوت يومهم لأثرياء يتلاعبون بالملايين.. وأوقعت أغنياء في حفرة الفقر بسبب المراهنات.. وأبكت رؤساء دولٍ لم تهزُّهم الحروب.. وكانوا عُظماء وشرسين انتصروا في حروبٍ عالمية كبرى.. ولكن عندما تخسر منتخبات بلادهم في كرة القدم.. يذرِفون الدمعَ أمام الجميع دونما خجل..!! كرة القدم.. تلك التي بدأتء بالمُتعة للبشر.. دخلت في هذا العالم المجنون لصناعة تجارية مُربِحةٍ بالمليارات.. وأصبح نجومُها الأشهر والأغنى في العالم.. فكلُّ الناس يعرفون ميسي لكنهم لا يعرفون رئيس الأرجنتين.. وكل البشر يعرفون كريستيان رونالدو لكنهم لا يعرفون رئيس البرتغال.. سبق أن ردّدت هذه المقالة .. ومساء الأربعاء الماضي قطعتُ الشكَّ باليقين ..!!