انتهى الجدل القائم حول إحساس ومشاعر الحيوان .. بالتجارب العلمية التي قطعت الشك باليقين .. ولكن لم أسمع ولم أقرأ يوما ما عن تأثير الجماد على انفعالات البشر .. لأن الأول بالتأكيد بدون أحساس ولا مشاعر ولا حتى انفعالات ..!! لكنني بدأت أقتنع أن الجماد في العصر الحديث هو الأكثر تأثيرا على حياة البشر .. بل هو المسيطر الأول على قلوبهم وعقولهم وانفعالاتهم وفرحهم وحزنهم .. صحيح أن الأدوات هم البشر ذاتهم .. ولكن الأداة تعتبر من مكونات الجماد ..!! لن أطيل في فلسفتي في مقدمة .. تعوّدت على الهذيان فيها بمناسبة وبدون مناسبة .. لكنني واثق جدا من تأثير هذا الجماد الصغير جدا على مليارات البشر .. يفرحهم ويحزنهم .. يجعل نومهم هادئا أو مزعجا .. بل ويرتب أوقاتهم وإجازاتهم وربما حتى سفرهم ..!! إنها كرة القدم .. التي لا يزيد محيطها عن 28بوصة ووزنها لا يزيد عن 16 أوقية .. !! لقد دخل هذا الجماد حياة البشر والشعوب .. وأصبحت لغة سلام .. وأحيانا لغة حروب .. وأصبحت أيضا في أجندة البعض أهم من المال والجاه .. تؤثر في البشر دون أن تتأثر .. لا تملك أحساسا ولا مشاعر .. فقد ترمي بالمجتهد والفنان في قاعة الأحزان .. وتزجّ بالمُترهِّل داخل بيتها العامر في المستطيل الأخضر بعامل الحظ أو ظلم الصافرة في نشوة الأفراح ..!! لا تعترف بصديق وعدو .. كلاهما في أجندتها صنف واحد .. تصبح صديقة وعدوة في آن واحد .. تفرح وتبكي .. لديها آلية تحكم في قلوب ملايين البشر .. رغم أنها جماد يركلها من يشاء .. لكنها تضحك في نهاية المطاف .. فهي المعشوقة في الأحياء والقرى والمدن والدول .. متوغِّلة في قلوب الفقراء والأغنياء .. يحبها الأبيض والأسود والصغير والكبير والمثقف والجاهل .. ويصرف من أجلها مليارات الدولارات .. والتي لو وزِّعت على مجاعة العالم حُلّ هذا الملف العالق من أساسه ..!! كرة القدم التي رفعت فقراء لا يجدون قوت يومهم لأثرياء يتلاعبون بالملايين .. وأوقعت أغنياء في حفرة الفقر بسبب المراهنات .. وأبكت رؤساء دول لم تهزّهم الحروب .. و كانوا عظماء وشرسين انتصروا في حروب عالمية كبرى .. ولكن عندما تخسر منتخبات بلادهم في كرة القدم .. يذرفون الدمع أمام الجميع دونما خجل ..!! كرة القدم .. تلك التي بدأت بالمُتعة للبشر .. دخلت في هذا العالم المجنون لصناعة تجارية مربحة بالمليارات .. وأصبح نجومها الأشهر والأغنى في العالم .. فكلّ الناس يعرفون ميسي لكنهم لا يعرفون رئيس الأرجنتين .. وكل البشر يعرفون كريستيان رونالدو لكنهم لا يعرفون رئيس البرتغال .. !! هي كرة القدم شاغلة العالم بأسره .. من أجلها ينسى الفقير جوعه لو شاهدها في مناسبة كبيرة .. ومن أجلها يترك الغني أيضا ترَفه من أجل متابعتها .. !! نعم .. هي كرة القدم التى جعلت من المعاناة بابا واسعا للشُّهرة والثراء .. ولكم في نجوم القارة السوداء مثالاً حيّا .. وأنموذجاً لكرة قدم .. نقلت البعض من ضفة لأخرى ..!! محظوظٌ من يميل قلبه لفريق بطل يرسم الفرحة على مُحيّاه في العطل الأسبوعية .. ويرسم خط النجاح في حياته من كثرة الإنجازات .. ومهموم هو ممّن على شاكلتي فريقه غريق من 15 سنة محليا .. وخصمه البرشا عالميا ..!!