مثلما غادر أرض الوطن، تحوطه قلوب الملايين من شعبه وأمته، داعية له، في رحلة علاجه الأخيرة، ها هي نفس القلوب والملايين تفتح قلوبها اليوم لقائدها ورمزها عبدالله بن عبدالعزيز.. بعد أن استجاب الله لدعائها، وأعاد إليها قائدها وأباها، وأخاها، سالماً معافى.. ها هو الوطن كله، برجاله ونسائه.. بشبابه وشاباته.. بأطفاله وشيوخه.. ها هم أولئك كلهم، الذين توحّد آباؤهم وأمهاتهم وأجدادهم حول راية التوحيد، التي رفعها يوماً الملك المؤسس، عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، فباتت شعاراً لوطنٍ واحد وعنواناً لأمة خالدة، فصار عليهم اليوم أن يتّحدوا بعزائمهم وأفكارهم، بعملهم وعلمهم حول الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز، ويتحلّقوا حول المواطن عبدالله بن عبدالعزيز، ويصطفوا حول القائد عبدالله بن عبدالعزيز. ها هو الشعب كله، لا يتخاذل منه أحد، ولا يتخلف منه أحد، يخرج اليوم، لاستقبال عبدالله بن عبدالعزيز، يرد له بعض الدّين، ويطوق عنقه بإكليل الغار والوفاء، يستمد من وقفته الصلبة معنى الرجولة، ويستمد من تلقائيته وعفويته.. كل طيبة الآباء والأجداد الذين ما بخلوا يوماً ولو بشقِّ تمرة، ويستمدّ من نقائه ووفائه كلّ أصالة الصحراء التي تمنح السّراة معنى للحداء. ... ها هو عبدالله بن عبدالعزيز اليوم في حضن وطنه، وبين مواطنيه.. إن الوطن وهو يدشن فرحته اليوم بعودتك، ليعاهدك على استمرار المسيرة التي رفعت رايتها.. وإن المواطن الذي منحته كل جهدك وعملك، ليقف اليوم معلناً بهجته الكبرى بوقفتك معه.. وهم الذين افتقدوه طويلاً، لكنهم لم يغيبوا عنه ولم يغب عنهم بأي حالٍ من الأحوال، إذ كان معهم، وبينهم، يشاركهم حلمهم وهمّهم، ويقتسم معهم خبزهم وماءهم، يفكّر معهم وبهم، لهم ومن أجلهم. بصراحة وشفافية، أستطيع أن أقرر، أنه وللمرة الأولى، أحس المواطن السعودي، في كافة المناطق، أن عبدالله بن عبدالعزيز، وخلال رحلة العلاج الطويلة، ليس مجرد ملك يحكم، ليس مجرد حاكم أو مسؤول، لكن هذا المواطن أحس أنه يفتقد أباه، وجزءاً عزيزاً منه، لذا كان الدعاء المخلص، من القلب إلى السماء لا يحجزه حاجز، ولا يعوقه عائق.. ولأن هذا الشعب خيّر في مجمله، ومؤمن في مجموعه، فقد استجاب الله لدعائه وأعاد إليه رمزه وقائده. إنها واحدة من الحالات النادرة في التاريخ الحديث، أن يحظى زعيم ما، بهذا القدر من الحب من شعبه، وغير شعبه، وإنها حالة ينبغي أن تُسجل بكل أمانة، هي تلك التي يتمتع بها عبدالله بن عبدالعزيز، وسط الناس في كل مكان، إنه الرجل الذي ليس في حاجة إلى استفتاء، لأنه فوق الاستفتاء، قالها أناس وشعوب أخرى، أجمعت على حبه ومصداقيته بشكل مختلف عن كل القادة والزعماء.. شكل لا شبهة فيه، ولا رياء ولا تزلف، ولكنها النتيجة الطبيعية جداً لمآثر وأعمال خيّرة، ومواقف شجاعة، لا تعد ولا تحصى. ... أبا متعب، إن الوطن وهو يدشن فرحته اليوم بعودتك، ليعاهدك على استمرار المسيرة التي رفعت رايتها.. وإن المواطن الذي منحته كل جهدك وعملك، ليقف اليوم معلناً بهجته الكبرى بوقفتك معه.. وإننا نحن أبناءك وشعبك ومواطنيك، والمقيمين على هذه الأرض الغالية، لنكتب من هذا التاريخ موعداً جديداً مع البناء والتحدي حتى تحقيق كل الأحلام.. إننا نحن الذين عهدناك وخبرناك، قيمة مثلى، ومثلاً أعلى، سنجعل من يوم عودتك ميلاداً آخر.. وعرساً آخر. ميلاد نرفع فيه راية الوطن، وعرس يكون عزه ومجده فوق كل الرؤوس. حفظك الله، وأبقاك لنا سنداً وذخراً، ومعيناً لا ينضب.