العُمْرُ كلُّ العُمْرِ موسمُ هجرةٍ.. وأنا برغم (الأربعينَ) من التَّشَرُّدِ ما اتَّفقتُ مع الطريقْ فوضايَ خارطتي ولم أَرَ صُدْفَةً كالحُبِّ.. إنَّ الحبَّ يسقطُ في الحشاَ سَهْواً كأنَّ السَّهْوَ منبتُهُ العريقْ كان (الأذانُ) بدايتي.. إنَّ (المآذنَ) في بلاديَ هُنَّ أَوَّلُ من يفيقْ حتَّى إذا أعشبتُ في الأعماقِ حاولتُ القصيدةَ كي تُدَرِّبَني على تقليمِ هذا العشبِ في روحي وتُلْهِمَني التَّصوُّفَ للفراشةِ والتبتُّلَ للبنفسجِ والتنسُّكَ للرحيقْ لِيَ أصدقاءٌ في الحديقةِ كلَّما ناجيتُهُمْ فَزَّتْ من الأعشاشِ أطيارُ الحنينِ ومال ناحيةَ الصِّباَ غصنُ الحكاياتِ الوريقْ فأنا برغم (الأربعينَ) من التَّشَرُّدِ ما اتَّفقتُ مع الطريقْ! فصارعتُ الوحوشَ على مدَى روحي ومشَّطتُ المسافاتِ الطويلةَ كالجدائلِ غيرَ أنِّيَ لم أُفَتِّشْ في دروب الغيبِ عن أبديَّتي.. فَتَّشتُ عن مستلزمات الروحِ في كينونةٍ صَدِئَتْ إلى الإكسيرِ من أعماقِ داخليَ السحيقْ أودعتُ كلَّ عناصري في الشِّعرِ.. إنَّ الشِّعرَ (أنكيدو) الصديقْ وسَرَتْ خُطايَ على خُطَى (جلجامشَ) الأولَى فصارعتُ الوحوشَ على مدَى روحي ومشَّطتُ المسافاتِ الطويلةَ كالجدائلِ غيرَ أنِّيَ لم أُفَتِّشْ في دروب الغيبِ عن أبديَّتي.. فَتَّشتُ عن مستلزمات الروحِ في كينونةٍ صَدِئَتْ إلى الإكسيرِ من أعماقِ داخليَ السحيقْ جَرَّبتُ أختارُ الوسيلةَ في عناق الموتِ حين اخترتُ موتاً شاعريًّا واحْتَرَبْتُ ومضغتي.. إنَّ القصيدةَ لم تكنْ إلاَّ غنيمةَ حربِنا: أنا معْ أنا، ودماؤُنا هِيَ ما نُريقْ شَبَّتْ يدي يا ربُّ من (جَمَراَتِ) أسئلتي.. و(أرمي) لم أُصِبْ (صَنَماً).. وها أنا في مداكَ الرحبِ أضحيةُ المكانِ.. فيا تُرَى ما كان يحدثُ ها هُنا لو لم أجئْ.. لو أنَّ قطعانَ الضحايا لم تَزِدْ كبشاً؟ وماذا سوف يحدثُ لو تَلاَشَتْ خيمةٌ من عالم المنفَى؟ ستكبرُ جمرةُ التَّسآلِ يا ربِّي ويندلعُ الحريقْ فأنا برغم (الأربعينَ) من التَّشَرُّدِ ما اتَّفقتُ مع الطريقْ أتنفَّسُ الكونَ الرحيبَ فتنتشي بالكائناتِ عروقُ أنفاسي وأبتلعُ المجرَّةَ في الشهيقْ وأكادُ أسقطُ في القنوطِ وليس ثَمَّةَ صخرةٌ في الأرضِ تسندُني إذا شئتُ السقوطَ سوى الكتابةِ.. نَخَلْتُني في الشعرِ حتَّى صفوةِ الأمشاجِ.. إنَّ الشعرَ غربالٌ دقيقْ لم يُسْعِفِ (الشيطانُ) وسوستي وحبلُ قصائدي ما زال أقصرَ ساعداً من أنْ يُمَدَّ إلى غريقْ ووصيَّتي إنْ مُتُّ ألاَّ ترفعوا التابوتَ أعلى من مَحَبَّتِكُمْ.. وإنْ سَمَحَ المكانُ فعَمِّقوا قبري إلى أنْ تسمعوا المسحاةَ تضربُ قيعةَ النسيانِ، وانْسَونِي لكي تتفرَّغوا لصناعة الأحلامِ فالذكرى تُبَدِّدُ ثروةَ الأوقاتِ، اِنْسَوْني فإنَّ هناك لي ندماءَ في أحشاءِ هذي الأرضِ.. لي ندماء من ماء المنابع.. من بذور الياسمينة والبنفسج.. من جذور النخلِ.. إنَّ هناك لي ندماء ينتظرون في الرمل العتيقْ فلرُبَّما طابَتْ لِيَ النجوى هنالك واتَّفَقْتُ مع الطريقْ!