حين تتطلع من فوق الأسطح في مدينة حمص السورية يتجلى ميزان القوة بوضوح، ففي بعض الأحياء هناك حركة دائبة للافراد والسيارات وفي أخرى لم يعد هناك سوى منازل خاوية اخترقتها القذائف. فبعد شهور من الهجمات العسكرية الشرسة والكمائن التي ينصبها مقاتلو المعارضة في حمص قلب الانتفاضة السورية على حكم الرئيس السوري بشار الأسد انقسمت المدينة بالفعل الى مدينتين. فالى جانب المنازل المحترقة والمتداعية هناك أحياء محمية جيدا تعيش فيها الأقلية العلوية التي ينتمي اليها الأسد. ويقول أبو علي، الذي يبلغ من العمر 60 عاما وهو يجلس في متجره الصغير في حي الزهراء العلوي : نحن دائما متوترون، لكننا سنظل وسنبقى. وأضاف أن المناطق السنية هي الخاوية .. على الاقل المناطق التي طالبت بالحرية، وأصبحت أحياء المعارضة التي كان يعيش فيها السنة في يوم من الأيام كمدينة أشباح. ويقول الكثير من العلويين: إنهم يشعرون بأنه لا يوجد أمامهم أي خيار سوى دعم الأسد خوفا من أعمال قتل انتقامية لمجرد انتمائهم لطائفة الرئيس مع تحول الانتفاضة بشكل متزايد الى صراع طائفي، وقال أحد أفراد الطائفة العلوية : السنة تعرضوا للاضطهاد، لكن العلويين سيكونون الضحايا. وعلى الرغم من أن مناطق كثيرة في سوريا لم تشهد الوحشية الطائفية فان قلب الصراع في سوريا يقدم لمحة لأسوأ سيناريو ممكن وهو صراع دموي يمزق البلاد الى دويلات متحاربة. ومع قصف المناطق السنية وانتشار الدمار فيها لا يجد النازحون الفقراء الذين لا يمكنهم مغادرة حمص أمامهم خيارات كثيرة. وينتهي الحال بمعظمهم في حي الوعر وهو عبارة عن مساكن خرسانية كانت تعيش فيها النخبة السنية، وفر السكان السنة الأثرياء من الوعر هربا من الفوضى في المدينة وسرعان ما اقتحم النازحون الحي وأقاموا في الشقق التي تركها الأثرياء. وسيطر نازحون على المتاجر واقتحموا أيضا المراكز التجارية التي أصبحت محلاتها الآن مليئة بالأغطية والمواقد. وفي تلك الأثناء تبدو أحياء للعلويين مثل منطقة الزهراء كقواعد عسكرية أكثر منها أحياء سكنية، وقام الجيش بتأمين شوارع تربط بين أحياء العلويين، لكن سيطرته على حمص ضعيفة، وقال ضابط في الجيش : اذا أردنا انهاء مشكلة حمص فعلينا أن نسوي المكان كله بالأرض. سيموت مئات الجنود. وعلى الرغم من عسكرة الصراع في سوريا فان السكان العلويين يحاولون أن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي، فمعظم المدارس مفتوحة كما يقف الباعة بالخضراوات والفاكهة في الشوارع. وأخذت امرأة تتجول بين متاجر أصبح يطلق عليها «السوق السنية» لان الشبيحة يجلبون اليها أثاثا وملابس مسروقة من مناطق سنية يداهمونها بعد أن يقصفها الجيش، وقالت المرأة : هذه غنائم حرب .. ومن حقنا أخذها.