قبل ثلاثة عقود وأكثر، كان مدير أحد القطاعات الكبرى الصحية في الأحساء طبيباً متميزا من إحدى الدول العربية .. وكان يتسم بالطيبة والبساطة والإخلاص في العمل ،وقبل نهاية الاسبوع عاد أحد موظفيه من الرياض والذي كان في مهمة بالوزارة، وأخبره أن مناطق المملكة تشهد جولة يقوم بها بعض كبار موظفي الوزارة ومن المتوقع قدوم بعضهم أو أحدهم للأحساء .. لم يصدق المدير خبراً، وبسرعة اتصل بمساعديه واجتمع بهم وطلب منهم اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة للجولة التفقدية التي من المتوقع أن تكون ذات طابع سري ..! ياليت كل المدراء اللي رُحت مكاتبهم أبحث عن وظيفة يقابلوني هكذا ،قالها وهو يحسِّن وضْع مشلحه .. لكنك غلبتهم جميعاً ،صِدْق أصلك طيب يالحبيب مع بداية الاسبوع دخل على سكرتير مكتبه أحد المواطنين يرتدي مشلحاً عودياً ويتَّسم بشخصية جذابة ووجه باسم فيه شموخ ،عندما شاهده السكرتير وقف بتلقائية ،وبحرارة رحّب به، وكادت ( كاسة ) الشاي أن تسقط من يده المرتعشة الوجِلة ،وهو يشير إليه بالدخول على المدير دون أن يطلب له الإذن .. .. انفرجت أسارير المدير الطيب وقام من مكتبه واتجه إليه مرحِّبا به وصافحه بحرارة وود .. وأجلسه بالقرب منه .. وواصل المدير ترحيبه وهو يتساءل ويستفسر عن رحلته متمنياً أنها كانت يسيرة ولم يُرهِقه المشوار ؟! باستغراب أجابه الضيف، أبداً كان المشوار قصيراً جدا ..! فردد المدير بينه وبين نفسه .. أكيد جاء في طائرة الوزارة الخاصة ..ثم قال المدير طال عمرك تحب تشرب ( إيه ) شاي ،،قهوه .. حليب .. فتطلع إليه الضيف الكبير مبتسماً ،فلمِع سنُّه الذهبي وقال :لو حصل حليب يا لحبيب يكون أحسن ..كاد المدير يطير فرحاً ،وقال لنفسه بسرعة أصبح حبيبا لهذا المسئول الكبير .. كم هو رائع ومتواضع ..؟! فتطلع إليه ،وقال شاكراً هذا من لُطفك وتواضعك طال عمرك .. وأضاف: إبشر سوف ترى في القطاع الصِّحي ما يسرُّك .. والحمد لله كلّ شيء تمام وعلى مايرام .؟! فقاطعه الضيف وهو يشعر بحيرة كبيرة ممّا يسمع : ياعم أول مرّةٍ أشوف مديراً متواضعا وطيباً مثلك .. ياليت كل المدراء اللي رُحت مكاتبهم أبحث عن وظيفة يقابلوني هكذا ،قالها وهو يحسِّن وضْع مشلحه .. لكنك غلبتهم جميعاً ،صِدْق أصلك طيب يالحبيب .. أنا جاي بعد ما سمعت أنه عندكم وظيفة سائق لسيارة الإسعاف ،قالها ،وهو يضرِب على صدره بكفِّ يده السمينة.. ومُحدِّثك بِلا فخرٍ خِبرة ..سواق تاكسي عشر سنين وخمس سنوات صبي في سيارة ماك ..؟!