مُعظمنا بحاجة إلى عمل. ومن أجل الحصول على عمل في مكانٍ ما، لا بد من إجراء ما بات يُعرَفُ إدراياً ب«المقابلة الوظيفية»، وهي لقاءٌ بين المؤهَّل لشغل الوظيفة مع مسؤول أو أكثر من جهة التوظيف، يتم فيه التعرّف إلى شخصية المُتقدِّم، والتأكد من مؤهِّلاته وقدراته، إضافة إلى لياقته السلوكية والنفسية العامة لشغل الوظيفة. ومن أجل نيل الوظيفة، يُبرِزُ المتقدِّم أفضل ما لديه في المقابلة، مُحاولاً قَدر الإمكان إخفاءَ عيوبه أو التخفيف من أثرها. والمقابلة الوظيفية شبيهةٌ إلى حدٍّ ما بالتقدُّم إلى فتاة لخِطبتها. فخاطبُ وُدّ الوظيفة يُقدِّم نفسه بأزهى مَظْهَر طمعاً في نيل الوظيفة، بعد نيل رضا المسؤولين عنها. غير أن طالب الوظيفة لا يُظهِرُ عادةً في المقابلات الوظيفية إلا الجيِّد من صفاته، ويَبقَى المَخفيّ مرهوناً كشفهُ بقدرة مسؤول التوظيف وذكائه. لذا ابتكر مسؤولو التوظيف أساليب عديدة لسَبْر طِبَاع المتقدِّم الحقيقية، وكشف خفايا شخصيته المختبئة خلف هِندامه الأنيق يوم المقابلة. بعض هذه الأساليب لا يخلو من الطرافة والذكاء، وقد يَنْطَلِي بسهولة على المتقدِّم. فقد تمت دعوة متقدِّم إلى وظيفة «مسؤول خدمة عملاء» للمقابلة في أحد البنوك، وكان اللقاء في مكان يشبه قاعة المحاضرات. جلَسَ المتقدِّم على المِنصَّة أمامَ مسؤول التوظيف، وخلفه في آخر كرسي في القاعة شخص جالس، بدا كمتقدِّم آخر. وكلما سأل المسؤولُ المتقدَّمَ سؤالاً وأجاب، أخذ الجالسُ في آخر القاعة يضحك ويسخر من إجاباته، والمسؤول هادئ، لا يعبأ بالساخر. وبعدما طفَحَ كيْل المتقدِّم، طالب الوظيفة لا يُظهِرُ عادةً في المقابلات الوظيفية إلا الجيِّد من صفاته، ويَبقَى المَخفيّ مرهوناً كشفهُ بقدرة مسؤول التوظيف وذكائه. لذا ابتكر مسؤولو التوظيف أساليب عديدة لسَبْر طِبَاع المتقدِّم الحقيقية، وكشف خفايا شخصيته المختبئة خلف هِندامه الأنيق يوم المقابلة. بعض هذه الأساليب لا يخلو من الطرافة والذكاء، وقد يَنْطَلِي بسهولة على المتقدِّم.انفجر غضباً على الساخِر الجالِس آخر القاعة. انتهت المقابلة بعد ذلك، وأُعْلِمَ المتقدِّم باستبعاده، لأن ما حصل كان مدبَّراً، لاختبار مدى صبره على ما سيقابله من تصرّفات «غير منطقية» من بعض العملاء مستقبلاً.. فيما لو نال الوظيفة! مرشَّح آخر لمنصب رفيعٍ، هو «مدير عام» فرع شركة غربية كبرى في المملكة، تم اختياره بدقة مع مرشَّح آخر بعد عدة اختبارات وتوصيات، ليشغل أحدهما هذا المنصب. وقبل المقابلة، تمت دعوة المرشَّح في مطعم فخم بأحد فنادق جنيف. وكان الطعام مقدّماً بطريقة «البوفيه المفتوح». وعند رجوعه للمملكة بأيام، علِم المرشَّحُ بإقصائه. وكان السبب في تقديرهم عدمُ كفاءته في استغلال الموارد المتاحة له بشكل مثالي. وقد اتضح لهم ذلك من طريقة أكله التي كانوا يراقبونها في البوفيه المفتوح، فقد كان يسكب في كل مرة أكثر من حاجته، دون إكمال ما أخذ. لقد كانت دعوة الطعام امتحاناً لقدراته في كيفية إدارة الموارد! مرشَّح آخر تمت دعوته لوظيفة «أمين صندوق»، وهي وظيفة مالية متوسطة لكنها حسَّاسَّة، يجب أن يتحلَّى صاحبها بالأمانة، حتى لو تهافتت عليه المغريات. وقد صُعِقَ المرشَّح عندما علِمَ بإلغاء المقابلة مع وصوله إلى موظف الاستقبال. فقد وضَع المسؤولون في طريق دخوله ورقة نقدية من فئة 100 ريال، وكان الطريق مراقباً بالكاميرات. وعندما لاحظَ ورقة النقد، التفت يميناً ويساراً، فلم يرَ أحداً، فأدخلها في جيبه ومضى إلى حيث المقابلة. وقد تم صرفهُ عند وصوله، مع إهدائه الورقة النقدية كذكرى «سيئة»، لعلّه يتعظ. ومما قال لي أحد زملائي العرب أنه طُلِبَ منه ذات مقابلة خلْع مِعطَفه (الجاكيت) مع دخوله غرفة اللقاء لإشعاره بالراحة، ثم صحبه عند خروجه مسؤول التوظيف إلى المصعد تقديراً له. والحقيقة التي اتضحت له لاحقاً مختلفة تماماً؛ فقد طلبوا منه خلع معطفه ليتأكدوا من قوة ذاكرته وحرصه، فهل سيتذكره لاحقاً أم ينساه. وقد خرجوا معه إلى المصعد، وكانوا في الطابق الثاني، ليختبروا نشاطه، فهل سيستخدِم المصعد أم السُّلَّم! ومما قيل لي إن شاباً حاد الذكاء دخلَ غرفة المقابلة بعد إغلاق الباب وجلس في المقعد المخصص له. عندها قال له مسؤول التوظيف: «لقد نسيت إغلاق الباب!»، فردَّ الشاب بسرعة: «إنه مغلق، أستطيع رؤيته في المرآة المعلَّقة خلف ظهرِك»، والتفت المسؤول فلم يجد أية مرآة! وعندما أعاد المسؤول النظر إلى الشاب، بادره الشاب بملاحظة ماكرة وابتسامة هادئة، قائلاً: «يمكنك يا سيدي إدراك الحقيقة مباشرةً، دون النظر إلى انعكاساتها!». والحقيقة، أن في المقابلة الوظيفية تفاصيل صغيرة جداً قد نتجاوزها، لكنها لا تستطيع تجاوزنا، دون إحداث تغيير فينا. وفي النهاية، فإن هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تُشكِّل الصورة الكبيرة لحياتنا المهنية. [email protected]