عندما يعيش الإنسان بكسر في قدمه، يعرج قليلا لعدة ايام، وقد يصاب باكتئاب جزئي في نفسيته .. وربما اعتزل المجتمع حرجا من أن يراه الناس بصورة غير طبيعية .. لكن هناك فئة خرجت على الدنيا، وفي نشيج بكائها الألم، وتجرعت الألم كما زفرت الآه منذ الأنفاس الأولى .. لقد فقدت جزءا من خلقتها الطبيعية ليدون على جبينها اسم (معاق) .. وتحولت عيونها إلى نظرات تجهل السعادة، وغابت عن أحلامها كل آمال المستقبل المنشود، وابتدأت رحلة الشقاء منذ نعومة الأظفار .. وتوالت الأيام ليقف المعاقون أمام واقعهم المر، .. ولكن !! هناك فتيات أبين الاستسلام والاختباء وراء إعاقتهن, وشققن طريقهن متحملات صعوبات الحياة ومرارة الظروف ونظرة المجتمع التي تعيقهن أكثر من الإعاقة نفسها، وهنا وهناك .. معاناة تستمر، وزفرات تتصاعد بين الحين والآخر .. ورغم كل ذلك .. ورغم معاناتهن إلا أنهن قانعات بأن هذا ابتلاء من الله تعالى .. وعلى اختلاف إعاقاتهن، التقت (اليوم) بهؤلاء المعاقات اللائي كسرن الخوف والخجل داخلهن، وكافحن في سبيل الحياة .. تحدثن حول معاناتهن لنا .. كما كشفن عن مطالبهن وكيف تخطين هذه الصعوبات .. في هذه المادة قصص لفتيات من مجتمعنا كسرن في حياتهن حاجز الإعاقة وتحدينها بهمة عالية .. فإلى هناك : حكاية نورة نورة النعيم مصابة بإعاقة حركية، وقد عاشت طفولتها وهي تلبس جهازا يساعد على المشي, تحدثت نورة حول معاناتها، ومنذ أن بدأ مشوارها مع الإعاقة منذ ولادتها، فقد أصيبت بمشكلة في الظهر سببت لها إعاقة بالطرف السفلي الأيمن، .. تحدثت نورة حول مرحلة الكفاح ضد الإعاقة فقالت :» عندما كنت طفلة كنت أتوقع أن إعاقتي مجرد مرض بسيط وسيزول مع الأيام, وفي الحقيقة اكتشفت أن إعاقتي دائمة، وقد حاول والدي جاهدا أن يعالجني، كما تنقل بي لعدد من المستشفيات، وسافر معي إلى عدة بلدان، آملا علاجي .. لكن الأطباء أكدوا له أنه لا جدوى من ذلك، وإنما الاكتفاء بالعناية المستمرة والمتابعة الدائمة في العلاج للحفاظ على ما بقي من أعصاب لدي تمكني من متابعة حياتي، ولقد واجهت العديد من المشاكل رغم عدم شعوري فيها وأنا صغيرة، وذلك لأني كنت لاهية ألعب مع أطفال سليمين، لكن المشاكل الحقيقية واجهتني في المرحلة الدراسية، فقد كنت أخشى الوقوع وأنا أمشي»، ومن ناحية أخرى كشفت نورة عن مشكلتها في المدرسة، ومشكلة أغلب المعاقين، وأوعزتها إلى عدم استيعاب بعض المعلمين والمعلمات مشكلة الإعاقة، فلا يعطى المعاق حقه من الوقت في الخروج إلى الساحة، أو في نهاية الدوام كي لا يتعثر بالطريق، أو حتى السماح له بالذهاب لدورات المياه أكثر من الطالب السليم، وإن طلب ذلك أكثر من مرة على حد قولها فهو أحق بأن يراعى صعوباته، خاصة للإعاقة الحركية في الطرف السفلي، وذلك لأنهم لا يعون حجم المعاناة، مما يدفع المعاق إلى بذل جهد ووقت أكبر لمواجهة كل تلك المشاكل، والتي كانت نورة تتغلب عليها وهي صغيرة .. !! لم تختلف مشعة الدوسري مصابة بإعاقة حركية عن إعاقتها وصعوباتها في صغرها عن نورة وخولة، لكنها بعد تعودت على حياة الإعاقة حتى أصبحت لديها أمرا عاديا، واتفقت الدوسري مع زميلتيها في هذه الصعوبات قصة خولة وهذه خولة السلطان مصابة بإعاقة بصرية، وقد عاشت في كنف أسرة قدرت ظروفها وساعدتها لتتخطى إعاقتها، ولكي لا تشعر بالفرق بينها وبين أخواتها .. حظيت خولة بالمعاملة نفسها وبالفرصة نفسها في كل شيء, في حين عانت معها والدتها عندما كانت تمسك بيدها لتقودها إلى أبسط الأماكن، وتحدثت خولة حول بعض محاور قصتها فقالت: «صاحبتني هذه الإعاقة منذ خروجي إلى الحياة، فلم أكن أشعر بازعاج منها، بل كنت أظن أن الجميع يرى كما أرى تماماً، ولا أنكر ما واجهت من صعوبات منذ ولادتي، ومحاولة والدي علاجي دون جدوى، لكني أيضا لا أنكر دعم أسرتي لي كي أتجاوز الصعوبات التي واجهتني، ومكنتني من رؤية الأشياء بوضوح، خاصة البعيدة منها أو التلفاز، وقد كانت أسرتي حريصة على تقريبي منها، كي أراها جيداً». مشعة .. والمطالب لم تختلف مشعة الدوسري مصابة بإعاقة حركية عن إعاقتها وصعوباتها في صغرها عن نورة وخولة، لكنها بعد تعودت على حياة الإعاقة حتى أصبحت لديها أمرا عاديا، واتفقت الدوسري مع زميلتيها في هذه الصعوبات, في حين اختلفت السلطان عن زميلاتها النعيم والدوسري بدراستها في معهد النور للكفيفات لصعوبة الدراسة في المدارس العامة، وقد تخرجت منها لتلتحق بجامعة الملك فيصل التي كانت الدراسة بها الدراسة العادية، إلا أنه كانت تصحبها مرافقة تكتب لها المحاضرات وتتابع الأساتذة في تخطيط الكتب، لتقوم بعدها بتسجيل صوتها وهي تقرأ ما كتبته، ولتفرغ الشريط بكتابة محاضراتها (بطريقة برايل) «الخاصة بالمكفوفين»، وفي الاختبارات كانت تحضر معها المرافقة لتقرأ لها الأسئلة كي تستطيع الإجابة عليها، وفي ظل تلك الظروف التي واجهنها، والصعوبات التي وقفن أمامهن، إلا أن نورة خريجة دبلوم حاسب آلي .. وتعمل بوظيفة نائبة مديرة في جمعية المعاقين, أما خولة فهي جامعية تخصص لغة عربية وموظفة علاقات عامة في نفس الجمعية، في حين تعمل مشعة موظفة استقبال بالجمعية ذاتها، ورغم تجاوز هؤلاء المعاقات مراحل كثيرة من المعاناة .. إلا أن تطلعاتهن المستقبلية لم تقف عند باب، ولم يكتفين بهذا القدر، واضعات الأمل نصب أعينهن، ومعتبرات .. وفي اعتقادهن أن اليأس هو الإعاقة الحقيقية. هموم خاصة رغم كل ذلك، فلم يزل لدى مصادر حكايتنا مطالب يأملن أن تلبى وهي: أن يكون لكل معاق تأمين صحي في المستشفيات وخاصة في الأحساء، وأن يفتح ملفات دائمة للمعاقين حركيا بالمستشفيات الرئيسة، وفي كل مدينة داخل المملكة, مع توفير وسائل تعليمية توضيحية أكثر للكفيف ليتمكن من إدراك الأشياء من حوله, وكذلك إقامة دورات تفيد الكفيف في مواكبة المجتمع وتطوراته, مع وضع علامات برايل في المصاعد والمرافق, فضلا عن بناء مبنى خاص بالمكفوفين مهيأ بشكل مناسب لهم خالٍ من العتبات والمعوقات، ومن مطالبهن منح المعاقين أولوية مطلقة في منح الأراضي داخل النطاق العمراني، وتكون مجهزة ومراعية لظروف الإعاقة الحركية، وإلزام أصحاب المجمعات السكنية بمراعاة المواصفات الخاصة بالمعاقين في مبانيهم للاشتراطات الخاصة بالبيئة العمرانية، كما أكدت كل من نورة وخولة ومشعة أحقية المعاق بسيارة خاصة تيسر له وتسهل تنقلاته وذهابه للعمل أو المدرسة أو الجامعة أو قيامه بواجباته تجاه منزله وأسرته, كما تطلعن إلى وضع غرامة على كل سائق سيارة أجرة عامة يرفض نقل معاق حركيا، واقترحن استقدام عمالة مدربة على التعامل مع المعاقين حركيا بالتعاون مع مكاتب استقدام خاصة، وإنشاء ورش ومراكز صيانة لأجهزة المعاقين الطبية والكراسي المتحركة، وتوفير قطع الغيار لها، وتشجيع المعاقين على فتح ورش تصنيع وصيانة الأجهزة الطبية والكراسي, إعطاء المعاقين حركيا دورات مبسطة عن كيفية المحافظة على الكرسي وكيفية اختيار الكرسي الجيد ومواصفاته، تلك هي معاناة هؤلاء الفتيات ومطالبهن، اختصرناها في سطور .. وهذا أنموذج مبسط لحالات من ذوي الاحتياجات الخاصة .. ويبقى هناك الكثير من الحالات التي غفلها المجتمع، ولم تلق من يمد يد العون لها، أو حتى أن يرعاها, ويبقى السؤال .. هل تتغير نظرة المجتمع لهذه الفئة؟ وهل تتحقق مطالبهم؟ أم تبقى الإعاقة ويبقى معها المعاناة ؟! نورة سعد : عدم التفرقة والتشجيع والمخالطة أهم وسائل إنقاذ المعاق من الاكتئاب و الأخصائية الاجتماعية نورة سعد تعلق في سياق الموضوع فتقول: «يواجه مجتمعنا مسألة مهمة تحتاج إلى الدراسة العميقة الشاملة والوافية وإيجاد الحلول لها،.. وهي ما يتمثل بالآلية السليمة للتعامل مع المعاق من الجنسين بكل حب وود، مع التشجيع وعدم التفرقة بين المعاقة تحديدا وبين أخواتها، والعمل على تشجيعها لممارسة هواياتها بتوفير الأجهزة التي تعينها، وتستفيد منها، وتساعدها على تلبية متطلباتها .. من القيام بالأعمال اليومية مثل: التغذية وارتداء الملابس والاعتماد على النفس .. وكذلك ضرورة تهيئة الجو المنزلي المناسب للمعاق، والذي يسوده الحب والود والتشجيع بعيدا عن الحالات النفسية، إلى جانب اعتبار رأيه واللعب معه والخروج بهم ومعهم الى خارج المنزل، وعدم حبسهم وعزلتهم، حتى لا يصاب بأمراض نفسية من جراء ذلك، وتوفير بعض متطلباتهم التي تساعد على شغل أوقات فراغهم .. فالحرج الاجتماعي في الأسر التي فيها معاقون قضية يطول شرحها .. فقد يلاقي المعاق بعض المعاناة مع أسرته التي قد تتحرج من إعاقته فتبذل ما في وسعها لكتمان هذه القضية، والتي بدورها قد تقضي على حياته!!، .. وفي المقابل هناك الكثير من الأسر التي تعمل جاهدة لتعليم ابنها المعاق، فتعامله معاملة الأسوياء، وتسعى لإرضائه وإخراجه من الحالة النفسية التي قد تصيبه بسبب اعاقته، ولقد أثبت أكثر المعاقين وجودهم واحتياج المجتمع اليهم .. فربما يقوم المعاق بأعمال لا يستطيع فعلها الأسوياء!!.