العنوان أعلاه كان عبارة وردت على لسان السياسي المصري رفعت السعيد في وصف ناشطي الانترنت المصريين ردا على تحركاتهم على النت من أجل تغيير الأوضاع في بلدهم. والعبارة تهكمية جدا وتعني أن هؤلاء الناشطين مصابون بلوثة في عقولهم. ولقد تعمدت أن استشهد برفعت السعيد تحديدا من أجل هدف محدد وهو التأكيد على حقيقة مهمة وهي أننا بإزاء عصر واعد حتى من أفنوا أعمارهم متبنين لأيديولوجيات يوتوبية لا يصدقون حجم وعوده. رفعت السعيد ليس جزءًا من المؤسسة الحاكمة في مصر بل رجل أفنى عمره في النضال من أجل تغيير الواقع, أو على الأقل هذا تصوره عن نفسه. إنه رئيس حزب التجمع المصري الحاضن الكبير لتيارات اليسار المصري. رجل يخطو نحو الثمانين من العمر. دخل المعتقل أول مرة سنة 1946, أي في عهد الملك فاروق. قضى عمره معارضا, فلم يمر رئيسا لمصر لم يعارضه رفعت السعيد. وفي السنوات الأخيرة, اتجه بحزبه نحو المهادنة مع الحكم, ربما بسبب خوفه من أن البديل لمبارك سيكون نظاما إخوانيا شبيها بالنموذج الإيراني, وهو رعب سيطر على السعيد وعلى نخب فكرية كثيرة في العالم العربي. ماهي تصورات المعارض العتيد عن شباب الفيس بوك وعن جهودهم لتغيير الواقع السياسي في مصر؟ لندعه يوضح. في سنة 2008, وبعد فشل الدعوة لإضراب 6 أبريل والذي دعا له نشطاء الانترنت, كتب السعيد يقول: «يوجد في مصر نحو 35 مليون شاب لا يدخلون جميعا على الفيس بوك والإنترنت. إنهم بضعة آلاف فقط الذين يفعلون ذلك... لقد تابعت أحدا منهم (أي من نشطاء الفيس بوك) يعيش في النرويج ويطلق على نفسه لقب نسر الشمال. شخص لا يعرف شيئا عن الواقع المصري ويطرح أشياء قريبة من الهيستريا السياسية...يجب أن نعلم أن المواطن لا يستجيب عادة إلى دعوات من مجهولين لا يكتبون أسماءهم ولا عناوينهم ولا أرقام هواتفهم. خائفين على أنفسهم وغير خائفين علي الناس, لكن المواطن أكثر ذكاء من أن يستجيب لهؤلاء القادة المستخبيين...لا يستطيع أحد مهما امتلك من وسائل أن يفرض على الجماهير واجبات هي غير مستعدة لها, أو غير قابلة لتحمل نتائجها. نحن نعطى للجماهير الوعي أولا, فإذا تحركت يجب أن نسبقها بنصف خطوة غير مكتفين بالتحريض.. لا يمكن أن يصدر أحد تعليمات إلى الشعب من خلال هذه الدعوات التي أصفها بأنها تحركات مجهضة من بدايتها ولا يمكن لأحد أن يتجاوب معها». هكذا إذن! لم يرَ السياسي العجوز الذي حاز على لقب أصغر معتقل في مصر في أربعينيات القرن الماضي أي امتداد في شباب الانترنت لنضالاته الشخصية. لم تربطه بهم حتى ولا العاطفة النضالية. لم يرَ فيهم شبابه وكفاحه. هؤلاء الفيسبوكيون من شباب الطبقة الوسطى جيدو التعليم والمتعلقون بالسينما والملابس الغربية والنت فعلوا مالم يكن رفعت السعيد يحلم أن يفعل ولو جزءًا يسيرًا منه, لقد خلصوه من الدولة البوليسية ومن كابوس الدولة الإخوانية في خبطة واحدة وفتحوا أبواب المستقبل لمصر متناغمة مع إيقاع العصر ولغتهلماذا؟ هل كان ذلك بسبب شيطنة رفعت السعيد لحركة الإخوان واحتمائه بالنظام القائم من غول الدولة الدينية المخيف؟ أم أن لرفعت السعيد أراءً مسبقة شديدة اليأس في شباب «اليومين دول»؟ لندع شخصا آخر يوضح لنا الصورة. الموسيقار عمار الشريعي يقول معلقا على دور شباب الفيس بوك في الثورة المصرية «الولاد اللي كنت بسميهم فيفي وميمي يعملوا كل ده!..دول حرروني من خوفي... ده أنا كنت بترعب لما أشوف الأمن». جمال مبارك رد بسخرية ولا مبالاة على صحفي سأله إن كان يقبل أن يحاور شباب الفيس بوك. قال جمال: «وده أؤل له إيه يعني». السياسيان, المعارض والذي هو ركن في النظام الذي كان قائما, والموسيقي الفنان, كلاهما أفصحا عن أراءٍ شديدة السخرية بشباب الفيس بوك. بيّنا عن صور نمطية لم تكن تأخذ هذه المجموعات على محمل الجد. لكن هذه المجموعات المأخوذ عنها كل هذه الصور السلبية أحدثت تحولا في التاريخ عجزت أجيال عديدة قبلها عن أن تعمله. هؤلاء الفيسبوكيون من شباب الطبقة الوسطى جيدو التعليم والمتعلقون بالسينما والملابس الغربية والنت فعلوا مالم يكن رفعت السعيد يحلم أن يفعل ولو جزءًا يسيرًا منه, لقد خلصوه من الدولة البوليسية ومن كابوس الدولة الإخوانية في خبطة واحدة وفتحوا أبواب المستقبل لمصر متناغمة مع إيقاع العصر ولغته. بعد كل هذا الاستعراض, هل يمكن لنا أن نطمئن إلى معرفتنا عن أجيالنا الجديدة؟ عن الوعود التي تحملها لنا ثورة الاتصالات التي تم الحديث عنها كثيرا جدا لكن ما حدث في الأسابيع الأخيرة وطريقة فهمنا له بيّنت أن الكثيرين ممن كانوا يتحدثون عن ثورة الاتصالات ربما يكونون يحملون تصورا واقعيا لأبعاد هذه الثورة وتأثيراتها. خاتمة: كنت كتبت الأسبوع الماضي الحلقة الأولى من ثنائية عن معوقات الخطاب النهضوي. سأكملها الأسبوع القادم لأن أحداث هذا الأسبوع فرضت عليّ التعليق على جانب منها. [email protected]