طوال تاريخ مصر الشعبي وهي تدون لنا الدروس، تاريخها الحضاري، الثوري، المدني، الثقافي، استمرت في إعطاء الدروس حتى ثورتها الشعبية الأخيرة التي قادها الجيل الجديد الذي فاض به الكيل من تصرفات النظام السياسي وقرر أن يعبر عن رأيه سلمياً حتى تتحقق مطالبه. تابعنا جميعاً كيف عبّر الشباب بوسائلهم الخاصة عن حبهم الكبير لوطنهم وعن «نعومة» ثورتهم التاريخية وعدالة مطالبهم، أول ثورة تحول الميدان إلى ثقافة، إلى أدب، مسرح وشعر وفنون، كوميديا وتراجيديا الشارع، مسرح الشارع، تحويل الثورة إلى تعبير متنوع بدلا من الاكتفاء بالشعارات الوطنية المباشرة، التي كانت ستكفي حتما لتحقيق المطالب. استفاد الشباب من وسائل التعبير المتاحة أمام العالم لتحوير صيغ الثورات السياسية بما يناسب العصر التقني، وبما يناسب وسائل التواصل الاجتماعي وتنوع هويات المجتمع الإلكتروني وأعمارهم. المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي يجد أن صيغة التواصل قبل ثورة الشعب المصري التاريخية، تحرض على الجدة في الموضوع والابتكار، النكتة والتصاميم والعبارة والتعليق، تحولات معاصرة في المساندة والدعم خلقت لغتها البصرية معها، لغة مشبّعة بالهموم مشبّعة بالمطالب، بالرفض، تحمل معها موقفها المعبر، أيا كان الموقف، وهنا أعني الموقف الشعبي أو الموقف السياسي، وما يحدثه في حياة أجيال كاملة. لم يعد الجيل الحالي يعتمد على أفكار تقليدية، ولم يستسلم لحالة من الركود صاحبت عقدين أو ثلاثة وربما أكثر هي حالة أنظمتنا السياسية العربية التي استطاع بعضها قمع الشعب بكل وسائل القمع التقليدية وتم تنحيته عن طريق الأجهزة البوليسية أو تذويبه في هموم يومية بينما في الوقت ذاته يستشري الفساد والمحسوبيات والظلم لصالح نظام أو أفراد في نظام يمتلكون السلطة سواء بالقرارات أو بالالتفاف عليها. ثبات الثورة الشعبية التاريخية في موقفها الوطني كثورة سلمية، هو جزء مهم من تاريخها كثورة شبابية استفادت من تربيتها الإلكترونية من السلم المتاح لها في التواصل العالمي، ونقلت ذلك حرفياً إلى الميادين محافظة على شعورها الوطني كوقود رئيس في عدم اللجوء إلى وسائل العنف التي جاءت لتعبر عن رفضها لها بصفتها تعبيراً قمعياً وهمجياً، ومن هنا يسجل للتاريخ المصري ولتاريخ الشعب المصري هذا الموقف وهذا التقدم الحضاري الكبير الذي سيغير الكثير من المفاهيم حول ثورة الشعب المرتبطة بالموقف الوطني والوسائل الحديثة للتعبير عن الموقف والرأي. يتبقى أن الشعب حين حقق أهم مطلب رئيس له أن يحافظ على المبادئ التي آمن بها، المبادئ والقيم التي ضحى من أجلها ومن أجل تحقيقها، العدالة، التغيير، القضاء على الشكل التقليدي للحكم، التحول السلمي إلى الديمقراطية. مصر تمر بمرحلة تاريخية مهمة بالطبع ويدرك المصريون أكثر من ذلك، مثلما يدركون أن هذه الفرصة لا يمكن تركها تمر دون أن يساهم الجيل الحالي في صياغة سياسة جديدة وصياغة مصر جديدة تضعها نموذجا عربيا متفرداً كدولة حضارية مدنية ديمقراطية. [email protected]