في حلقة اليوم من ملف الترابط الاجتماعي سوف نرى كيف هضم المجتمع حقا مشروعا ل»ذوي الاحتياجات الخاصة»، وتؤكد الشواهد في هذه المادة تجاهل الكثير من المرافق الحكومية والخاصة بعض احتياجات المعاقين التي لا تبدأ بموقف السيارة الخاص بالمعاقين .. ولا تنتهي بتوفر الوسائل الضرورية المعينة لهم في أغلب المرافق الخدمية والميادين العامة، .. ولقد أظهر هذا الاستقصاء الميداني نتائج غير محمودة فيما يخص علاقة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع بشكل عام، في إشارة واضحة إلى أن كل هذه الأمور تعرقل بكل تأكيد عملية تواصل المعاق مع المجتمع كما تضعف الترابط الاجتماعي بينه وبين باقي أفراد المجتمع .. فضلا عن أنها تفكك المجتمع إلى طبقات اجتماعية متنافرة، مزيدا من التفاصيل في متن هذه المادة .. احتياجات ضرورية حول محور الموضوع تحدث في البداية محمد القرني (إعاقة حركية) قائلا : «أفاجأ أحيانا عندما أبحث عن موقف سيارة مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة فأجد من يستغل هذا الموقف غير المخصص له، وهذا شيء مزعج بالنسبة لي وللكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد تجاهل هذا الفرد من المجتمع اللوحة الإرشادية وتجاهل معاناة المعاقين ولم يقدر وضعهم وحاجتهم الضرورية لمثل هذا الموقف، كما تجاهل المزايا الخاصة للمواقف مثل قربها من المبنى وكذلك الممر الخاص بالكراسي المتحركة المهيأة لذوي الاحتياجات الخاصة وقد عملت من أجلهم، بصراحة أنا أعتبر كل من يستغل تلك المواقف المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة بأنه إنسان غير واع وليس لديه إحساس بالمسئولية تجاهنا، فهو لا يستطيع من وجهة نظري أن يقدر حجم معاناة الشخص الذي يحتاج ذلك الموقف، وكم سيوفر عليه من الجهد والوقت في حال استغل الموقف المخصص له، ومثل هذا الإنسان لا بد أن يعيرنا اهتماما كوننا جزءا من المجتمع .. كما ينبغي له ألا يصنع فجوة بيننا، ومن جانب آخر فإن الالتزام بعدم الوقوف في المواقف المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة أعتبره احتراما لي ولإخواني، كما أنظر نظرة إعجاب لكل شخص يتقيد بالأنظمة واللوحات الإرشادية ويحترم لوحة (الموقف مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة)». احترام حقوق المعاق ومن جهته تحدث عبدالله مبارك (أخ لفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة) قائلا : «لدي تصريح للوقوف بمواقف سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة نظرا لحالة شقيقتي، لكن للأسف أحيانا لا أجد مواقف مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في بعض الأماكن، وأحيانا يقف فيها ممن غير المصرح لهم، وفي كلتا الحالتين قد يؤثر ذلك سلبيا على ذوي الاحتياجات الخاصة ويعطيهم انطباعا سيئا عن المجتمع من حولهم، في الوقت الذي من الواجب علينا جميعا احترام حقوقهم والالتزام بعدم استخدام المرافق المخصصة لهم، وكذلك توفير المواقف المخصصة لهم في جميع الميادين، وتهيئة جميع المباني العامة لاستقبال ذوي الإعاقة الحركية من حيث وضع مداخل خاصة للكراسي المتحركة، بالإضافة إلى المصاعد الكهربائية كي يسهل عليهم التنقل بكل يسر وسهولة، وبهذا أرجو أن يكون للبلديات والمرور دور واضح في هذا الأمر، وذلك بوضع مثل هذه الشروط في حال استخراج رخصة بناء لأي مبنى خدماتي لكي تشمل جميع المرافق، وبذلك تكون جميع المباني العامة والحكومية جاهزة لاستقبال ذوي الإعاقة الحركية كونهم جزءا من هذا المجتمع وفئة عزيزة على قلوبنا، وهذا أقل ما نقدمه لهم وفي نفس الوقت يساهم ذلك في تقوية الروابط الاجتماعية من حيث انخراطهم بالمجتمع وتواصلهم مع الآخرين، فإذا كانت المرافق مهيأة لاستقبالهم .. فهذا يعني أنهم سيشاركون المجتمع مما يجعل تواصلهم مع المجتمع من حولهم أسهل، وعلى عكس ذلك إذا اصطدم أي شخص بمن حوله وبتصرفاتهم وعدم مناسبة المكان له قد تنقطع بعض العلاقات الاجتماعية، كما تؤثر تأثيرا سلبيا على المجتمع ككل». إحساس بالمسؤولية الحميدي بن عبدالله كذلك تحدث في سياق الموضوع فقال : «بصراحة أستغرب تصرفات البعض في استغلال المواقف المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وقد رأيت .. وفي أكثر من مكان مثل هذه التصرفات غير المسؤولة التي تضايقني، لأن مثل هذا التصرف قد يمنع شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة من الوقوف في المكان المخصص له فيما هو بأمس الحاجة لهذا الموقف، وهناك أشخاص ليس لديهم أي إحساس بالمسئولية وبمن حولهم، وقد حدث أمامي منظر لا أنساه أبدا فقد رأيت شخصا يدفع قريبا له بالكرسي المتحرك في أحد المستشفيات الخاصة .. وعندما وصل للمخرج تفاجأ بوقوف سيارة بشكل خاطئ على المكان المخصص لدخول وخروج الكراسي المتحركة والعربات، إلى درجة أنه يصعب على الشخص المرور، فما بالك بمستخدمي الكراسي المتحركة؟، فحاول الشخص جاهدا نقل الكرسي أولا ثم عاد لنقل المريض !!، وكل هذه المعاناة كانت بسبب تصرف خاطئ من شخص غير مبال، فإحساسنا بالمسئولية تجاه أنفسنا وتجاه المجتمع من حولنا يقوي من أواصر العلاقات الاجتماعية والتواصل على وجه التحديد، وكل فرد من مجتمعنا لابد أن يحترم الأنظمة والقوانين، وكذلك أرجو من الأمانة تفعيل دورها في المسئولية وتوفير مواقف مخصصة للمعاقين مجانية في الميادين العامة». ترحيب : قد يتحول هذا «التهميش» إلى سخط المعاق على المجتمع الأخصائية النفسية ترحيب عبدالباسط جمعة بدأت حديثها بقصة واقعية رواها لها زوجها تدور أحداثها حول معاناة أحد المعاقين من محور موضوعنا فقالت : «أحد المعاقين موظف في القطاع الخاص وهو خريج جامعة معروفة، ومتزوج ولديه طفلان، وقد تدرج في عمله حتى أصبح رئيسا لقسم مهم في إدارته، إلا أن النجاح الذي أحرزه في حياته الشخصية والمهنية لم يساعده في التخلص من الكلمة التي طالما كرهها وهي أنا معاق !!، وعن معاناته يقول الشاب المعاق : (غالبا ما أضطر لتكرار هذه الكلمة أربع أو خمس مرات في اليوم الواحد، كلما خرجت من منزلي، وغالبا ما يصادفني موقف ما لا أتمكن من اجتيازه مما يدفعني دفعا لاستخدام الكلمة البغيضة «أنا معاق»، حتى أنني من غير قصد ألفت نظر الأشخاص أمامي لمساعدتي في التغلب على عدد غير منته من الصعوبات اليومية المتمثلة في عدم تجهيز المرافق العامة حسب متطلبات ذوي الإعاقة)»، وتعليقا على معاناة الشاب المعاق قالت ترحيب : «كلنا يعلم أن الإنسان عندما يبتلى بمرض أو إعاقة فإنه يعاني نفسيا، وقد تتدرج معاناته من المشاكل السلوكية البسيطة إلى أن تصل إلى المشاكل النفسية التي تقتضي التدخل العلاجي، إنه من الصعب جدا على المعاق حركيا أن يخرج بين الناس على كرسي متحرك وهو لا يقوى حتى على تحريك الكرسي، بل يعتمد على شخص آخر لدفع الكرسي والناس تنظر إليه بأسى وتتمتم بكلمات مثل : (مسكين ؛معوق) وغيرها من الكلمات التي تشعر المعاق بالإحباط، ومما يزيد معاناة وألم المعاقين حركيا في مجتمعاتنا عدم توفر التجهيزات الضرورية التي تساعدهم على التنقل في مرافق المجتمع العامة والخاصة من أجل ممارسة حياتهم اليومية بكل تفاصيلها، فغالبا ما نستقبل استشارات نفسية من قبل بالغين رجالا ونساء ومراهقين من طلاب المدارس الذين يواجهون صعوبات في التنقل من بيوتهم إلى أماكن عملهم أو مدارسهم، وذلك بسبب عدم توفر مواقف سيارات خاصة بهم، أو بسبب استخدام مواقفهم من قبل أشخاص آخرين، أو بسبب غيرها من الصعوبات التي تفرض على المعاق عزلة اجتماعية جبرية، فيبدأ بالشعور بالإحباط نتيجة للضغوط التي يواجهها، وقد تتطور المشاعر السلبية لتصل إلى درجة الاكتئاب، أو تتحول إلى حقد وسخط على المجتمع الذي يعيش فيه، إن أبسط ما يمكن تقديمه لهذه الفئة هو المطالبة بتوفير الخدمات التي تحتاج إليها حتى نساعد في رفع معاناتهم، وحتى نساعدهم على التواصل مع باقي أفراد مجتمعهم».