لم تكن زيارة سمو ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، لباريس ولقاؤه مع الرئيس إيمانويل ماكرون، وكبار صناع القرار الفرنسيين، إلا امتدادًا لرؤية سعودية منفتحة على القوى الكبرى التقليدية في العالم، والتي ترتبط معها المملكة بعلاقات متجذرة تأسست على الدفع بالمصالح المتبادلة لآفاق أرحب، وسعت أيضا لتبني توافق دولي حول العديد من القضايا والملفات الشائكة إقليميًا ودوليًا. وكما في كل زيارات سمو ولي العهد السابقة، سواء للقاهرة أو لندن أو واشنطن، جاءت باريس هذه المرة لتبرز لنا النموذج القيادي للأمير محمد بن سلمان، كشخصية «متوافقة» نجحت في اكتساب صداقات متعددة تدفع بالرؤية السعودية الجديدة للأمام دائما، وتكتسب يومًا بعد يوم رصيدًا خارجيًا إضافيًا يعزز الرصيد والثقة الداخليتين في سموه كنموذج رائد يمثل الحلم السعودي الحديث، نحو دولة عصرية تريد السلم والاستقرار الدوليين ولا تدخر وسعًا في إنشاء شراكات متعددة تعود بالفائدة أولًا على الداخل السعودي ومن ثم على بقية الشعوب الشقيقة والصديقة. وإذا كانت العلاقات السعودية الفرنسية قد تميزت بالثبات والريادة، إلا أن زيارة الأمير محمد بن سلمان هذه المرة، قد عززت مسيرة عقود طويلة من الحوارات البناءة والجادة، وربما كان الأبرز ما اعتبره محللون دوليون، من أن لقاء ولي العهد والرئيس الفرنسي سمح ببناء علاقة شخصية بين الرجلين.. أكد ذلك ما صرح به الرئيس ماكرون من أن السعودية حليفة لفرنسا، نتج عنها الاتفاق على إصدار وثيقة إستراتيجية بين البلدين ستصبح جاهزة بحلول نهاية العام، ستنتج عنها عقود استثمارية بين الرياضوباريس، وسيتوجها الرئيس ماكرون، بزيارة إلى المملكة لتوقيعها بنهاية هذا العام. وكعادته، يحرص الأمير محمد بن سلمان على جعل الاقتصاد ركيزة أساسية في كل لقاءاته بالعواصم التي يحل عليها، لذا تكون النقاشات والمباحثات أداة استثمارية للمنفعة المتبادلة، كوسيلة لتعزيز الرغبة السياسية من جانب، ومن جانب آخر فتح شراكات تنموية حقيقية قادرة على بناء مستقبل أفضل وواعد، من خلال آفاق مستحدثة وعملية وجاذبة، تربط دهاليز السياسة بعالم الاقتصاد، ليكون الأخير جسور تلاقٍ بين الشعوب، وهو الأهم دوما. من هنا، تتضح لنا فضاءات كل الاتفاقيات والشراكات المنفتحة على مصراعيها، وفي جميع المجالات الاقتصادية والاستثمارية والثقافية والأمنية والدفاعية، وفرص تطويرها والدفع بها للأمام، لنكون بالتالي أمام منظومة استراتيجية سعودية متكاملة لا تتجزأ يحملها فكر الأمير محمد بن سلمان في كل جولاته وزياراته، ويعمل على تحقيقها في مختلف العواصم. فكر الشراكة الاستراتيجية، هو هاجس المرحلة الراهن، وهو الأقوى لتعزيز الحلم السعودي بمواجهة كل التحديات.