جاءت التصريحات المتتالية لولي العهد مع العديد من وسائل الإعلام الغربية مؤكدة على حقيقة أن المجتمع السعودي متنوع بمكوناته المتعددة جغرافيًا وثقافيًا ومذهبيًا، وأن هذا التنوع هو مصدر ثراء للوطن حيث يتمتع الجميع بحقوق وفرص متساوية، بحيث لا يكون هناك تمييز بين المواطنين قائم على انتماءاتهم وتنوع أطيافهم. وضرب سموه في مقابلته مع مجلة «اتلانتك» نماذج من التنوع المذهبي القائم في المملكة. كأي مجتمع إنساني آخر، فإن المجتمع السعودي تتمثل فيه مكونات متعددة تتمايز فيما بينها ثقافة وسلوكًا، ولكن داخل الإطار الوطني الذي يجمعها. ومن غير المنطقي تصوير هذا المجتمع أو أي مجتمع آخر في حالة أحادية وغير تعددية اعتقادا بأن ذلك يعكس حالة من الوحدة بين هذه المكونات؛ لأن هذا يخالف الواقع القائم في أي مجتمع ويعطي صورة نمطية خاطئة وغير صحيحة للآخرين، بل ويحمّل المجتمع كله والوطن برّمته النتائج المترتبة على هذه التصورات المغلوطة. في الصيف الماضي شاركت في أحد المؤتمرات العلمية في اوروبا، وقبل أن أتحدث قدّمت للحاضرين أنواعًا مختلفة الأنواع والأشكال والمذاقات من التمور السعودية، موضّحا أن المجتمع في المملكة متنوع ومتعدد كما هي هذه التمور، وأن الكثير من الباحثين الغربيين لم يعتنوا بدراسة التنوع القائم في مجتمعنا، وإنما يصنفونه كتلة وجماعة واحدة ليسهل التصنيف والتعميم، وهو أمر لا يحدث مع المجتمعات الأخرى مطلقًا. ما يترتب على هذه التوجهات التي يقودها سمو ولي العهد، هو الانفتاح المتبادل بين هذه المكونات وتجاوز الانغلاق والتقوقع داخل هذه الكيانات والكانتونات، والانتقال من دوائر المنطقة والمذهب والقبيلة إلى الحاضنة الوطنية الأكبر والأشمل. هذه الثقافة الجديدة التي ينبغي التبشير بها والعمل على تجذيرها، من شأنها أنها تكرّس وتعزز الوحدة الوطنية ليس بالشعارات الجوفاء والكلمات الرنانة، وإنما من خلال الممارسة الطبيعية والتعايش المشترك ضمن بيئة يكون فيها كل فرد يحترم انتماءه الوطني قبل أي شيء آخر. هناك العديد من المؤسسات الرسمية المعنية بإعادة صياغة برامجها بحيث تعكس هذه التوجهات الصائبة، من بينها وزارات الشؤون الإسلامية والثقافة والإعلام والتربية، وغيرها من المؤسسات، بحيث تتماشى خططها مع الأطروحات والبرامج المتقدمة التي يتناولها ويطرحها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. وقد لفتت نظري مساحة التسامح وتغير أسلوب التبليغ والإرشاد في الحرمين الشريفين خلال زيارتي الأخيرة، حيث وجدت أن التعليمات والإرشادات جاءت متناسبة مع التنوع في فكر المعتمرين والزائرين وآرائهم الفقهية المتعددة. أملي أيضا في أن يتعاطى إعلامنا المحلي مع كل هذه التوجهات التي طرحها سمو ولي العهد، ليس كمواد إخبارية فقط، وإنما كقضايا اجتماعية وثقافية من المهم تناولها على مختلف الأصعدة وبلورة مضامينها، ونسج برامج عملية لتحقيق غاياتها. فهذه التوجهات هي في صالحنا كمواطنين أولا، قبل أن تكون ردًا مفعمًا على أسئلة مثارة من قبل بعض الغربيين.