باريس - كتب رئيس التحرير أتاحت لنا زيارة سمو ولي العهد إلى الولاياتالمتحدة بهامشها الزمني غير المسبوق، وبرامجها وأحداثها وفعالياتها وملفاتها الكبرى، أتاحت لنا، كوفد إعلامي مرافق، فرصة الإطلاع عن قرب على فلسفة سموه الكريم في أداء مهامه وأعماله وواجباته. هذه الفلسفة التي تفيض همة، وعطاء، وجهدا، يُعجِز كل من يُحاول أن يترسم خطاه. إن قلت: لأنه يعمل أربعا وعشرين ساعة في الأربع والعشرين ساعة، فهذه حتما ليست معلومة، لأن حضوره الطاغي، في كافة تفاصيل الزيارة صوتا وصورة، سيقول أكثر. وإن قلت: إنه حوّل، بهمته الفذة، ساحة الولاياتالمتحدة التي توازي ساحة الوطن العربي، إلى ما يساوي رقعة شطرنج كان هو بالتأكيد فارس الإنجاز فيها، فهي أيضا أدنى مما يلزم أن يُقال. وإن قلت: إنه تجاوز بعمليته واستثماره لتفاصيل تفاصيل الوقت، بالتحلل من قيد بروتوكول المكان، والزمان، والمراسم، فصورة واحدة له (مثلا) في المقهى الشهير (ستار بوكس) في لقاء عملي قد تُغني عن كل ما يُمكن أن يُقال من الكلام. هذا الأمير الشاب الذي ينظم أفكاره بسلاسة عذبة، وبشكل مذهل كما ينظم برامجه، ولقاءاته، ويعرف ماذا يريد، ومتى يريد، وإلى أين يريد، وماذا سيقول، وكيف سيقول، تماما كما يعرف كيف يُقدم تصوره لمستقبل بلاده بذهن صافٍ، وثقة مطلقة، وعزيمة لا تلين، وكيف يُجسدها لسامعيه، وكأنه يطلعهم على فيلم نابغ الإخراج، شديد التقنية. هذا الأمير الشاب جاب الولاياتالأمريكية من الساحل إلى الساحل على مدى ثلاثة أسابيع دون أن يتثاءب، أو يبحث عن فرصة للراحة، لكنه قبل ذلك جاب العقل الأمريكي، وعرف كيف يدخل إليه، وكيف يحاوره بثقافته، ولغته، ليدفعه بشغف لاختيار الشراكة معه ومع بلاده، ودعمها بلا حدود، دون قيد أو شرط، لأنه وجد فيه الشريك الثقة الذي لا يشد يده على عهدٍ إلا لِيفِي به. لقد فهم الأمير محمد بن سلمان الذهنية الأمريكية، فخاطب صنّاع القرار من البيت الأبيض والكونجرس، مرورا بمراكز البحوث، ودور الثقافة، ومؤسسات الإعلام العملاقة، وصولا إلى شركات وادي السليكون، وهوليوود، لينسج علاقات بلاده على نولٍ متنوع، وواسع، وعريض، يمكن أن يظل الرافد القوي لهذه العلاقات الراسخة مهما تبدلت الإدارات السياسية. لهذا.. كان هذا الإنجاز الضخم الذي هو حديث الساعة، لكن.. ولأن طموحه وتطلعاته لبلاده بلا حدود، وبلا أسقف، وهو من قال: إن حدودها عنان السماء، لذلك هو اليوم هنا. هنا في باريس العاصمة الفرنسية، عاصمة النور، حيث يصل أمير النور، وصانع أحلام السعوديين ومستقبلهم، وعراب النهضة السعودية الجديدة. يصل إلى فرنسا، لأنه ببساطة شديدة رجلُ ينفتح على كافة الحضارات، ويريد لبلاده أن تكون هكذا، ألا تشرب من مورد واحد، فحوار الحضارات وتمازجها هو في نظره أعلى قيم الإنسانية، وأرقى أسباب دعائم السلام، وتكريس مبادىء التعاون المثمر. هو في باريس لأنه يريد أن يعزز ذلك الرصيد الضخم من الثقة المتبادلة بين الحكومتين والشعبين، وليؤسس لمزيد من الشراكات القائمة، وليمد جسور التواصل بين البلدين والثقافتين إلى أقصى مدى لصالح بلاده، وصالح الشريك الفرنسي. هو في باريس.. لأنه يُدرك، بحسه القيادي، أنها ليست مجرد محطة، فهي عاصمة ثقيلة سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وثقافيا وفنيا. هي عاصمة سارتر وفولتير وموليير وسيمون دي بوفوار والبير كامو وهوغو ولامارتين، واللوفر، والشانزليزيه والموناليزا، بل لأنها عاصمة العطر والنور، والمسرح والأدب وحقول الضوء ابتداء من مسرح الكسندر دوماس وحتى قصائد شارل بودلير. هو في باريس، لأنه محمد بن سلمان، الشاب الذي يمتلك بين جوانحه روحا وثابة، واستشرافا مُجنحا لقادم مشرق يراه هو رأي العين لمملكة الإسلام والسلام بصورتها النقية البيضاء التي تريد أن تصافح الجميع، وتذيب المسافات بين الحضارات، وتعززها بالثقة، ليعم السلام أرجاء الأرض في أجمل تطبيق لمعنى الاستخلاف القرآني. لهذا، تفتح باريس ذراعيها بحفاوة بالغة للمملكة، ممثلة في شخص سموه الكريم، وهي التي تدرك أنه الرجل الذي قدمه الملك الزعيم سلمان بن عبدالعزيز، ليجسد أحلام الشباب السعودي التواق دوما لكل ما يرفع الرأس. وليقدم للعالم صورة السعودي الثابت في أصالة قيمه، المتحرك في وعيه وقبوله للآخر بكل الندية علما وثقافة وخُلُقا وسلوكا. وستحتفي به عاصمة النور أكثر فأكثر، لأنها ترى فيه رجل النور الذي يستطيع أن يُبرم معها عِقدا من النور والضياء على جيد المصالح المشتركة، وعقدا من عطر الثقة الخالدة بلا حدود. إنه محمد بن سلمان، الذي ينتقل من محطة إلى محطة، عبر قارات الأرض، بحقائب سفرٍ لا يملؤها سوى الطموح والإرادة الفذة والعزيمة وهمة الشباب، ليمد يد عاصمة بلاده (الرياض)، كيما تصافح عواصم العالم الحي بحِزمٍ من المشاريع المشتركة، حاملة على سارية رايتها الخضراء مفاتيح أبواب المستقبل السعيد للجميع.