يبدو أن العلاقة التكنولوجية، التي امتدت على مدار العقد الماضي بين أكبر اقتصادين في العالم، التي كانت تقوم أمريكا فيها بدور المخ بينما الصين تؤدي دور العضلات قد بلغت خط النهاية، بعد أن أصبحت للصين أزرع تكنولوجية عالمية تهدد الهيمنة الرقمية لواشنطن. وبحسب تقرير لمجلة «الإيكونوميست» البريطانية، تصدر الصين معدات الكترونية إلى جميع أنحاء العالم ولديها أسرع حاسوب عملاق، كما سينافس نظام الملاحة الصيني عبر الاقمار الصناعية نظام تحديد المواقع العالمي في أمريكا بحلول عام 2020. وتنوه المجلة إلى أن الانزعاج الأمريكي من الطفرات التكنولوجية، التي تحققها الصين بدا جلياً في صورة تحقيقات جارية من المتوقع أن تخلص إلى أن سرقة حقوق الملكية الفكرية من جانب الصين كبّد الشركات الأمريكية حوالي تريليون دولار. وفي وقت سابق من هذا العام قدم الكونجرس مشروع قانون لمنع الحكومة من القيام بأعمال تجارية مع شركتي اتصالات صينيتين هما «هواوي» و«زد تي آي» وحذر «إيريك شميدت» الرئيس السابق لشركة «ألفابيت» وهي الشركة الأم لشركة جوجل من أن بكين ستتغلب على واشنطن في مجال الذكاء الصناعي بحلول عام 2025. ومؤخرا أوقف الرئيس دونالد ترامب فجأة صفقة استحواذ بقيمة 142 مليار دولار على شركة «كوالكوم»، وهي شركة أمريكية لتصنيع الرقائق الالكترونية، التي سعت شركة «برودكوم» المنافسة ومقرها في سنغافورة لشرائها بالكامل، على خلفية مخاوف الأمن القومي بشأن التفوق الصيني في تقنية الجيل الخامس، وهي تقنية لاسلكية جديدة أحدث من تقنية الجيل الرابع المنتشر حاليا. ويشير التقرير إلى أنه لفهم ما يجب أن تكون عليه استراتيجية أمريكا، يجب أولاً تحديد المشكلة لأنه أمر طبيعي تماماً بالنسبة لدولة بحجم الصين وباقتصاد سريع النمو يحظى بثقافة البحث العلمي أن تنعم بنهضة تكنولوجية. وبالفعل فلدى الصين واحدة من أكبر مجموعات علماء الذكاء الصناعي فضلاً عن أكثر من 800 مليون مستخدم للإنترنت - أي أكثر من أي بلد آخر مما يعني المزيد من البيانات، التي يمكن تساعدها على صقل أبحاث الذكاء الاصطناعي. ومن المفترض أن يعود هذا التقدم التكنولوجي بالفائدة على عدد لا يحصى من الناس من بينهم الأمريكيون، لكن بالنسبة للولايات المتحدة فهي تسعى إلى منع الصين من الحفاظ على مكانتها في إطار الصراع عبر «بلقنة الإنترنت» على سبيل المثال وهي وصفة لعالم أكثر فقراً ومتنافرا وفي حالة احتراب إلى حد الاحتراق. وينصح التقرير الولاياتالمتحدة بأن تتذكر أسباب نجاحها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث تم وضع برامج حكومية تهدف إلى تجاوز الاتحاد السوفياتي السباق في أنظمة الفضاء والأسلحة وفي سبيل ذلك حفزت الاستثمار في التعليم والبحوث والهندسة عبر مجموعة واسعة من التقنيات. وكان ظهور وادي السليكون (منطقة تضم شركات التكنولوجيا تقع في جنوب منطقة خليج سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا) في نهاية المطاف ثمرة هذه البرامج، بعدما سادت روح المنافسة القوية والحرة والحوافز الرأسمالية القوية لجني الأرباح. واعتمدت هذه البرامج على نظام هجرة رحب بكل العقول الواعدة من كل بقاع العالم. والآن وبعد ستين سنة تحتاج أمريكا إلى نفس التوليفة من الاستثمارات العامة والخاصة سعياً وراء مشروع وطني. كما يحذر التقرير من الاجراءات الحمائية وفرض الجمارك لأنه سيضر في النهاية بازدهار التكنولوجيا الامريكية دون القيام بأي شيء من أجل الأمن القومي. كما ينطوي الخطاب العنيف ضد بكين على خطر واضح والمتمثل في تقليص التبادل التجاري بينهما مما سيضر بأكبر اقتصادين في العالم. وتشير البيانات الرسمية إلى أن إنفاق الحكومة الفيدرالية الأمريكية على البحث والتطوير بلغ 0.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، وهو ثلث ما كان عليه عام 1964. وفي ضربة قاسمة للبحث العلمي، تقترح ميزانية ترامب لعام 2019 خفضاً بنسبة 42.3٪ في الإنفاق التقديري غير الدفاعي بحلول عام 2028. والخلاصة أن الرئيس الامريكي يتبنى نهجاً يرتكز على سبل خنق الصين، ولكنه غير مبالٍ بمعالجة أسباب تراجع بلاده.