أعرب سفير فلسطين لدى مصر دياب اللوح عن تقدير بلاده لدور المملكة الداعم للقضية الفلسطينية، مشيدا بمواقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أزمة القدس الأخيرة. وتمنى في حواره مع «اليوم» أن يطلق اسم «القدس» على القمة العربية القادمة بالرياض في مارس الجاري، منتقدا إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تنفيذ قراره بنقل سفارة بلاده إلى القدس في مايو المقبل، ووصفه بالمتهور. «اليوم»: كيف ترى دعم المملكة للقضية الفلسطينية؟ دياب اللوح: نتحرك بشراكة كاملة مع الأشقاء العرب، كما أننا في مباحثات دائمة مع الدول العربية وفي مقدمتها المملكة ومصر والأردن، وهناك تشاور عميق بين القيادة السياسية في المملكة وفلسطين، ويلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بشكل مستمر، وهناك مشاورات وتبادل للآراء، وحريصون كل الحرص على الاستماع لنصائح الملك سلمان بن عبدالعزيز، والجميع يعلم أن المملكة تدعم دائما نضال الشعب الفلسطيني وصموده، ويسجل التاريخ مواقف مشرفة للسعودية قيادة وشعبا تجاه قضية القدس، وهنا أوجه التحية والتقدير للأمير محمد بن سلمان ولي العهد الذي يسير على خطى والده وأجداده في مواقفهم من القضية الفلسطينية. ونحن الآن على أبواب القمة العربية التي ستعقد في الرياض في مارس الجاري، ونتطلع إلى أن تحمل هذه القمة اسم «القدس»، وأن توظف إمكاناتها لتعزيز المواقف العربية وتقوية وحدة العرب إزاء القضايا المصيرية خصوصا الفلسطينية، كما أتمنى أن يكون 2018 هو عام القدس ودعم إقامة دولتنا. ما آخر تطورات أزمة القدس؟ الإدارة الأمريكية ما زالت متمسكة بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وزادت على ذلك بأن القدس ليست على الطاولة، وجاء الرد الفلسطيني سريعا: إذا لم تكن القدس على الطاولة فلن تكون أمريكا على الطاولة أيضا، والرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبومازن» أكد مرارا وتكرارا أننا لن نقبل ولن نستمع لأي مشروع تسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي لا يتضمن القدس عاصمة لدولتنا، وهي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية التي احتلت في1967، كما أننا لن نقبل ولن نستمع لأي خطة سياسية لا تتضمن حلا عادلا لقضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الشرعية 194، ووفقا للمبادرة العربية للسلام في قمة بيروت 2002 التي جاءت بمبادرة كريمة من المملكة واقترحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي كان ولياً للعهد وقتها، وبدون شك أن القرار الأمريكي يزيد من صلف وغطرسة إسرائيل التي تضرب الشرعية الدولية بعرض الحائط وليس القرارات الدولية بحسب، فهي بالمعنى القانوني الدولي دولة مارقة لا تلتزم ولن تلتزم بقرارات الشرعية الدولية. ما هي خطوات مواجهة قرار ترامب؟ نسعى لإيجاد رعاية دولية فاعلة في المجتمع الدولي لتأسيس آلية دولية متعددة الأطراف تحت مظلة الأممالمتحدة لرعاية عملية السلام في المنطقة؛ بما في ذلك الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لإعادة إطلاق عملية سلام جادة ذات مصداقية ومحددة بإطار زمني، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين، وهذا يعني أن الرعاية الأمريكية الحصرية لعملية السلام في المنطقة أصبحت من الماضي مثلما أن صفقة القرن التي تتحدث عنها الإدارة الأمريكية أصبحت وراء ظهورنا أيضا، ولن نتعامل مع أي صفقة أو أي خطة أو رعاية أمريكية؛ لأن واشنطن ناصبت الشعب الفلسطيني العداء، ونحن لسنا في عداء مع الإدارة الأمريكية أو الشعب الأمريكي بدليل أن غالبية الأمريكيين في الأوساط السياسية الرسمية رفضوا قرار ترامب المتهور المشؤوم، الذي يشبه وعد بلفور الذي بموجبه «أعطى مَنْ لا يملك مَنْ لا يستحق»، والقدس ليست ملكا لترامب ليمنحها هبة لإسرائيل ولا ملكا للفلسطينيين فقط، هي مدينة فلسطينية عربية إسلامية مسيحية، وبدون شك أن قرار ترامب كان صادما ما دفع القيادة الفلسطينية إلى قطع الاتصالات مع الإدارة الأمريكية لكن في الوقت ذاته لم نطلب من أية دولة عربية شقيقة قطع العلاقات معها أو سحب السفراء، فهذا الأمر متروك للأشقاء العرب لأننا نعتبره شأنا داخليا لا نتدخل فيه. ولكن بالنسبة لنا في فلسطين لم تبق واشنطن خيطا رفيعا من أمل للتعامل معها، فمَنْ يقول إن القدس ليست موضع تفاوض لن نجلس معه يوما أو نخوض مباحثات، لن نتفاوض مع مَنْ يتنكر لحل الدولتين ويرفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة، لذا العودة للتفاوض مرهونة بتراجع أمريكا عن قرارها، ونجدد رفضنا بوجود القدس خارج أية تسوية، ولن نقبل إلا بدولة على التراب الفلسطيني عاصمتها القدس. ما تقييمك للمواقف الدولية بشأن السلام بالشرق الأوسط؟ منذ صدور القرار الأمريكي رصدنا رفض 162 دولة، لكن تجسد الرفض الدولي الواضح في التصويت لمشروع القرار العربي في مجلس الأمن، الذي تقدمت به مصر العضو العربي وقتها في المجلس، وبصرف النظر عن استخدام أمريكا «الفيتو»، لكنه انتصار واسع للدبلوماسية العربية؛ فقد قال العالم «لا» للقرار الأمريكي، وللأسف تستغل واشنطن عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وتنتهك قرارات المجلس ذات الصلة بالقدس والصراع العربي الإسرائيلي، وبعد جلسة مجلس الأمن ذهبنا مباشرة إلى الأممالمتحدة تحت بند «متحدون من أجل السلام» وكانت تقديراتنا أن يكون التصديق بأكثر من 160 دولة لكن حصدنا دعم 129 دولة، بينما الدول التي امتنعت عن التصويت أو تغيبت بسبب ضغوط من واشنطن، والدول التسع المؤيدة للموقف الأمريكي تعتمد على المعونات الأمريكية. ولكن اللافت للنظر هو موقف الاتحاد الأوروبي الذي أكد تمسكه بحل الدولتين وبأن القدس هي عاصمة للدولتين، إضافة إلى الموقف البريطاني الذي كان مختلفا عن مواقف أخرى سابقة، لكن هذا لا يعفي الأخيرة من تحمل مسؤوليتها تجاه «وعد بلفور» السبب في النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، كما أن كندا الشريك الدائم لأمريكا عارضت قرار ترامب، ويجب على المجتمع الدولي بكافة مؤسساته وفي مقدمتها مجلس الأمن أن يتحمل مسؤولياته التاريخية والقانونية تجاه الشعب الفلسطيني لإنصافه أملا في إنهاء احتلال 1967 للأراضي الفلسطينية بما فيها القدسالشرقية، وتمكينه من إقامة دولته على أساس حل الدولتين، على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام، وعودة اللاجئين. هل يمكن أن يقلب العرب الطاولة على ترامب بمواقف صارمة؟ استضافت الجامعة العربية اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية، وكلفت الجامعة لجنة المبادرة العربية للسلام بتشكيل لجنة من بين أعضائها وتشكلت لجنة من 6 أعضاء، بالإضافة إلى الجامعة، وعقدت اجتماعا في 6 يناير الماضي بالعاصمة الأردنية عمان، ووضعت آلية تحرك على المستويات السياسية والدبلوماسية والقانونية، وتستهدف إعادة التأكيد على رفض أي قرار يعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أو نقل البعثات الدبلوماسية إليها أيضا، إضافة إلى إعادة التأكيد على التمسك بالسلام كخيار استراتيجي وحل الصراع العربي الإسرائيلي وفق مبادرة السلام العربية 2002 ونحن نريد تنفيذ مبادرة السلام من الألف إلى الياء وليس العكس. ولا يفوتني أن أشيد باللحمة العربية التي عادت أكثر قوة بعد قرار ترامب المشؤوم، الذي أعاد وضع القضية الفلسطينية في صدارة المشهد العربي بعد أن استحوذت قضية الإرهاب في عدد من الدول العربية على اهتمامها، وعلى المستوى الدولي تعرف عدد كبير من الأوروبيين والأمريكيين على قضيتنا من خلال أزمة القدس الأخيرة. هل أسهم قرار الرئيس الأمريكي في الإسراع بالمصالحة الفلسطينية؟ المصالحة انطلقت قبل قرار ترامب، وسبقه اجتماع للفصائل الفلسطينية، وكان هناك تقديرات بأن ترامب سيقدم على هذه الخطوة وجاء الشروع في تنفيذها ليزيدنا إصرارا على المضي قدما في استكمال المصالحة الفلسطينية باعتبارها ضرورة وطنية وعربية في هذه الفترة في ظل التحديات التي تتطلب بأن نكون يدا واحدة تحت قيادة ورئيس واحد، ونجحت مصر برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي وجهاز المخابرات المصري في إطلاق قطارها الذي لن يعود إلى مربع الانقسام، وسنستمر في الشراكة مع مصر، والمرحلة الأولى هي تمكين حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، وهي حكومة من مستقلين وتكنوقراط، ومطلوب أن تتمكن من تولي سلطاتها وصلاحياتها في قطاع غزة كما الضفة الغربية، وقد استلمت الوزارات والهيئات الحكومية والمعابر الحدودية مع مصر وإسرائيل وفي طريقها للتمكين في قطاعات الجباية والأجهزة الأمنية السيادية والقضاء. وهناك فريق من المخابرات المصرية يتحرك بين القاهرة ورام الله وغزة بالتنسيق مع حركتي فتح وحماس من أجل استكمال هذه المصالحة، وعقد مؤتمر في غزة قبيل فترة، وجهت من خلاله رسالة لإسرائيل بأننا نملك مقومات الدولة، ونريد الانتهاء من الاحتلال والبدء في بناء مؤسساتنا، نحن نملك الشعب والأرض ولكن نحتاج إلى السيادة لنحكم دولتنا على أرضنا. سفير فلسطين لدى القاهرة يجيب عن أسئلة المحرر (اليوم) اللوح: نقل سفارة واشنطن في مايو تصعيد خطير استنكر السفير الفلسطيني بالقاهرة دياب اللوح ما أثير بشأن إصرار الولاياتالمتحدة على نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في مايو المقبل، واصفا ذلك بالتصعيد الخطير، وحذر من أنه سيؤدي إلى توسيع هوة الخلاف بين واشنطن والدول العربية، الذي اشتعل منذ قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقال اللوح: «إن رغبة واشنطن في الإسراع بنقل سفارتها إلى القدس تسكب مزيدا من الزيت على النار، وتؤجج الخلافات بشأن قضية السلام بمنطقة الشرق الأوسط، وتتضارب مع تصريحات وزير خارجيتها بأن تصميم وبناء المقر الجديد للسفارة قد يستغرق سنوات»، مشددا على أن القضية الفلسطينية هي الهم العربي الأول. دياب نمر محمد اللوح من مواليد 28- 12- 1958، حاصل على بكالوريس وماجستير في الصحافة والإعلام. سفير سابق في موريتانيا واليمن والصين، وكيل وزارة سابق في السلطة الفلسطينية، عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح، وعضو سابق بالمجلس الثوري للحركة، صدر له عدد من الكتب والأبحاث أهمها: أوراق متناثرة، آفاق سياسية، العلاقات الفلسطينية-الصينية، تأثير الصحافة على صناعة القرار السياسي «بحث»، مسائل أساسية في الصين (15 بحثا).