ميناء الخبر التجاري، سطر من كتاب كبير سجلته الأيام لهذه المدينة الحديثة والتجارية التي باتت خالدة في ذاكرة المنطقة الشرقية، ميناء الخبر التجاري أو ما يسمى (فرضة الخبر) كان قبل عقود هو المنفذ الوحيد الذي تستطيع أن تجد فيه ما تحب من احتياجاتك الشخصية من ملابس راقية أو عطور أو لوازم أو أدوات منزلية قد لا تتوفر في بقية المدن، وظل الميناء لعقود محافظاً على خصوصيته وتميزه قبل أن يقفل؛ ولكن يبقى لميناء الخبر التجاري نكهته وأصالته التي جعلت منه عبقاً يتنفسه أهالي الخبر ويتذكرونه بكل وفاء رغم انه لم يتبق منه إلا الأطلال، ومازال كبار السن الذين عايشوا بدايات الميناء التجاري للخبر يتذكرون بأسى، كلما عبروا الشارع واصطدموا بالعمائر الشاهقة التي حلت محل الميناء. قصص البحر ويتذكر إبراهيم الدوسري أبن أحد النواخذ المشهورين على مستوى المنطقة الميناء عندما تم اكتشاف البترول في عام 1925م من قبل شركة ستاندرد أويل أفكاليفورنيا "سوكال آن وشيفرون حالياً" وحفر بئر الدمام الأولى. وقال كان عمي يقود إحدى السفن والتي كانت محملة ببقر من الأحساء وبعد الإبحار لمدة تجاوزت الثلاث ساعات في رياح صعبة وموج عال وعند الاقتراب من جزيرة البحرين ومشاهدة البقر اليابسة ارتبكت مما أدى الى انقلاب السفينة ووفاة كثير ممن كان على ظهرها، وفي مغامرة أخرى يقول الدوسري؛ لقد احترقت سفينة كان تقل ما يسمى الآن (عبرية) من شدة الحمولة، مما أدى إلى وفاة طفل في حضن أمه وكانت تلك السفرة أحد المواقف التي مازلت طابعة في ذاكرته لأهوال البحر ومخاطر السفر؛ والتي بعدها تم بناء ميناء الملك عبد العزيز بالدمام وانتهى دور ميناء وفرضة الخبر وتم انتقال جميع المهام واقتصار فرضة الخبر للنقل البسيط لبعض مراكب النقل الخشبية من الجالبوت والسنبوك والبوم والبغلة الكبيرة؛ ثم بعد ذلك تم إنشاء جسر الملك فهد وبعدها انتهى دور الفرضة نهائياً وصارت اليوم مجرد فرضة لسلاح الحدود ودوريات الإنقاذ والسلامة. شركة الزيت "أرامكو" كانت شركة الزيت احد أهم أسباب انتعاش ميناء الخبر التجاري؛ وفي تاريخ 1339ه 1938م أخذ العمران في الخبر يظهر بصورة متزايدة ، وأهم الأسباب الكامنة وراء ذلك يعود لقرب هذه المدينة من مقر إدارة شركة الزيت العربية "أرامكو" بجبل الظهران من ناحية وقربها من البحرين ذات الموقع المميز في مجال التجارة والاتصال؛ إذا سرعان ما قامت شركة الزيت بإنشاء فرضة بحرية في الخبر تستطيع من خلالها الاتصال بالبحرين والحصول على كل ما يحتاج إليه من المؤن والمعدات عن طريقها؛ وقد نشأت على مقربة من الفرضة بعض المستودعات لحفظ الزيت ومهدت الطريق بين جبل الظهران وبين تلك المنشآت في الخبر في عام 1378ه؛ فكان ذلك من دواعي النمو السريع في عمران هذا الموضع واستيطان من قبل المشتغلين في صناعة الزيت والوافدين إلى هذه المنطقة بحثاً عن فرص العمل ومزاولة التجارة. تجارة البحرين وفي حديث متصل يقول وائل بن عبدالعزيز الدغفق (رحال الخبر) وأحد المهتمين والمدونين لتاريخ الخبر إن اغلب ما يستورد من البحرين هو: الأرز والقهوة والتوابل والسكر، أما أهم صادرات المنطقة الشرقية والتي تأتي بقوافل من القطيفوالأحساء هي: التمر الذي يصدر إلى البحرين وإيران ويصدر أيضاً جريد النخل إلى البحرين وإيران لأعمال البناء (البرستيات) وللوقود، كما تصدر إليها الأخواص لصناعة الحصر، ويصدر اللؤلؤ والتمر المطبوخ والمجفف والتمور إلى الهند ودول الخليج العربي، ويزور تجار القطيفوالأحساء البحرين بين فترة وأخرى لشراء البضائع اللازمة لهم وهناك بعض تجار البحرين المقيمين في المنطقة، كما أن هناك تجارة مباشرة بين المنطقة والهند لشحن البضائع لكل من البلدين. التجارة البينية ويزيد وائل الدغفق بأن التجارة في المنطقة الشرقية عامل جذب للكثير من التجار البحرينيين منذ بداية اكتشافات النفط في المملكة، حيث أقاموا سوقاً خاصة لهم في الظهران سمي بسوق (الشريطية)، يأخذ التجار الصغار بضائعهم بالدين من تجار البحرين، ويركبون السفن الخشبية الشراعية من (فرضة المنامة) إلى (فرضة الخبر) مستغرقين في الرحلة ما بين الثلاث إلى الأربع ساعات، وقد كان من الطبيعي ان يتعطل موتور السفينة فيبقون في البحر ساعات طويلة حتى يتم إصلاحها، وقد تكون الرياح عاتية فتطول فترة السفرة، وكان من الطبيعي أن يعمل جميع الأولاد مع والدهم في هذه المهنة، ولم تكن مهنة سهلة، حيث المتاجر عبارة عن صناديق خشبية يحيط بها سور لا يمكن تجاوزه لمن يريد من التجار الجدد، وقد تناقص عددهم حتى انتهى السوق في السبعينات من القرن المنصرم، وكان الريال السعودي فضياً، حيث لم يكن الورق متداولاً في تلك الفترة، وبالتالي كانت هناك طريقة محددة لحساب الريالات وتصريفها قبل السفر إلى البحرين..وكان الريال الفضي له قيمته الحقيقية مقابل الروبية الهندية التي كانت متداولة آنذاك في البحرين. تعزيز الطرق وأضاف الدغفق بالنسبة لمجال الطرق والمواصلات فقد قامت شركة أرامكو بتمهيد اول طريق في المنطقة يربط بين بئر الدمام رقم 7 في جبل الظهران بفرضة الخبر من أجل تصدير النفط الخام الى معمل التكرير في البحرين، وإيصال المعدات والعربات الى مركز شركة النفط الجديدة وذلك في عام 1937. ويتذكر الدغفق أهمية هذه الفرضة في تسريع التجارة البينية بين الخبر والبحرين بعد ان فقدت الكثير من ملامحها وما كان عليه في الماضي من حضور وأهمية في الحركة التجارية في الخبر. مشاكل السفر وعن ابرز السفن التي كانت تستخدم في التنقل بين ميناء الخبر التجاري والبحرين يوضح الدغفق بأنها (البغلة، البوم، الجالبوت، السنبوك)، مشيراً إلى أن السفر كان بخمسة ريالات، ثم ارتفع الى الخمسين ريالاً، وتسمى في ذلك الوقت (النول) وهي ما يعادل خمسة ريالات، موضحاً أن أهم المخاطر التي كانت تواجههم في التنقل والسفر هي انحرافات السفن من خلال الخيران (الشعيب) لتحاشي المناطق الضحلة في الخليج. إغلاق الميناء يحمل ميناء الخبر التجاري تاريخاً لأجيال متتالية، وتحديداً "جيل الطفرة" في الثمانينات الهجرية؛ وظل هذا التاريخ حافلاًً بكل مقاييس الحياة والتنمية والتجارة إلى ان وصل إلى "جيل الألفية" الذي اختصر تاريخ الميناء الطويل في الجانب التجاري بإغلاقه وإقفال باب تجاري مهم ورافد من روافد التجارة بالمنطقة الشرقية، حيث كانت تعقد فيه الصفقات المالية في مختلف الأنشطة التجارية، وخصوصاً في المواد الغذائية والمكتبية، وكان هذا الميناء هو المنفذ التجاري الى البحرين عن طريق التنقل بالسفن الشراعية. وأشار الدغفق في حديثه الى بداية أعمال التصديرات للزيت الخام عن طريق فرضة صغيرة في الخبر كان الزيت عن طريقها يشحن إلى البحرين، وفيما بعد تم بناء فرضة رأس تنورة التي بدأت في استقبال ناقلات الزيت، حيث تم شحن أول دفعة من الزيت عن طريقها في 11 ربيع أول 1358ه الموافق 1 مايو 1939م، وذلك في احتفال رسمي رعاه جلالة الملك عبد العزيز آل سعود – رحمه الله –، وبعد مدة من الزمن تقرر اقفال الميناء التجاري بعد ان أصبح جسر الملك فهد24/3/1407ه جاهز للانطلاق. جانب من رحلات الغوص بين الخبر والبحرين عام 1955م فرضة الخبر في الخمسينات من القرن الماضي الميناء الصخري عام 1355ه الخبر مع بداية العمران في نهاية التسعينات هجرية لقطة جوية للخبر عام 1378ه