«إن كان ولا بد أن تزوج فتاتك في سن صغيرة، فاحرص على إدراكها قيمة هذا الأمر، حتى تكسب هي وتكسب أنت بعدم عودتها إليك» قد يقول البعض لماذا التركيز على قضايا الزواج والمتزوجين ومشاكلهم. فأقول: لإيماني القوي بأن الزواج هو المحطة الاولى لحل كثير من القضايا سواء أكانت على الصعيد النفسي أم الصحي أم المجتمعي. الزواج كمركب يخوض غمار البحار وتأتيه الرياح لتقلبه في كل اتجاه، ولكن ثباته وقوة بنائه وحكمة قائده لا محالة ستقوده لبر الأمان دوماً. فتاة أنهت المرحلة الثانوية، تحب وتغدق على من تحب جزيل العبارة. تقدم لها فتى لا تعلم بواطنه ولكن ظاهره كان وضوح الصلاح والعقل والهدوء، يكبرها سناً وعقلاً يختلف معها إدراكاً وفهماً، وافق والدها، وزفت إليه بالرغم من أنها لم تكن قد اطمأنت إليه بكامل مشاعرها إلا أن عبارات الأم «الكل حاسدك، محد يحصل رجال هالأيام» جعلتها تستمر بهذا الامر. حملها لبلده وأسكنها منزلها وتعرفت على عائلته وكانت مسيرة الحياة، بدأ شعورها بعدم الراحة يتفاقم شيئاً فشيئاً حتى باتت تكره منزلها، تكره بقاءها معه، لاحظ هذا الأمر واستبدل الصبر بالقسوة والتهديدات والإجبار حتى ضاقت عليها الدنيا ووقع المحظور، فرت لأهلها تريد الأمان فوجدت الصد والهجر والتهديد بالمقاطعة، وحينها سئلت «تبين الناس تاكل وجهنا»، ومع ذلك واجهت هذه الفتاة المجتمع والأهل وأصرت على رأيها وطلبت الانفصال لأنها رأت ما لم يره أهلها من كذب وخداع وقسوة. كانت هذه التجربة كفيلة بأن تجعلها ابنة الأربعين عاماً من ضيق اعتراها لجفاء أهلها لها ومنعها من الاختلاط بالاخرين حتى أخواتها، كل ذلك حتى تعود مجبرة له ويستطيعون أن يقولوا للناس «دلع بنات» ومع ذلك كانت القوة بداخلها وإصرارها تتحدى جميع الضغوط ولسان حالها يقول «وما أدراكم ماذا كان يحصل خلف الأبواب، فأنتم هنا تضحكون وأنا هناك أبكي وأتجرع الألم ولا أشتكي، أردت حباً وحياة واستقرارا وكنت سأبذل له كل حياتي ورأيت ما جعلني أكره حتى مشاعر الحب» وكانت النهاية. عزيزي الأب، عزيزتي الأم.. إن كان ولا بد من تزويج أبنائكم والتدخل في حياتهم وفرض القرابة للاقتران بهم فأحسنوا الاختيار واسمعوا للمشاعر وصدقوا حديثهم واحتضوا آلامهم فوالله أن يبقى ابني أو ابنتي لدي دون زواج وهو صحيح النفس والبدن خير لي من عودته وقد تكالبت عليه هموم الدنيا وكسرت بداخله أمراً لا يمكن إصلاحه. اتقوا الله في أبنائكم. هذا غيض من فيض ولو تركت للقلم العنان لكان «إن كان لا بد» سلسلة لا تقف أبداً. سأترك هذه العبارة بينكم واجعلوها قياساً لحياتكم وميزاناً لأفعالكم وشحذاً لتفكيركم وعقولكم، اجعلوها أمامكم في كل امر حتى تكسبوا. دمتم بخير.