حظيت المنطقة الشرقية بزيارة كريمة من المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في عام 1366ه/ 1947م، وذلك للقاء رعيته وتفقد منشآت شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) والاطلاع على سير أعمالها والاطمئنان على أوضاع موظفيها السعوديين، لقد كانت زيارة تاريخية حافلة بأحداثها التاريخية وعامرة بلحظاتها الجميلة التي لن تنساها ذاكرة المنطقة. أهداف الزيارة جاءت تلك الزيارة إلى شركة أرامكو بعد مرور ثماني سنوات على الزيارة التاريخية الأولى التي تم بها الاحتفال بتدشين أول شحنة نفط سعودي من ميناء رأس تنورة في مايو 1939م، ولقد اشتمل برنامج الزيارة الثانية على جولات في مناطق عمل شركة أرامكو في الظهران ورأس تنورة، خاصة مصفاة رأس تنورة التي بدأ تشغيلها عام 1945م، وميناء رأس تنورة الذي شهد تطورًا منذ زيارة الملك الأخيرة، إضافة إلى لقاءات وحفلات استقبال لموظفي أرامكو السعوديين والأجانب. استغرقت زيارة الملك لشركة أرامكو ومرافقها ثمانية أيام من 28 صفر إلى 5 ربيع الاول 1366ه الموافق 21 إلى 29 يناير 1947م، وفي ختام زيارته، غادر جلالته الظهران إلى الهفوف في زيارة إلى منطقة الأحساء بدعوة من الأمير سعود بن جلوي، والتي عاد بعد الانتهاء منها إلى الرياض في 3 فبراير 1947م. استعدادات أرامكو سخرت شركة أرامكو كل جهودها وإمكاناتها لنجاح زيارة ضيفهم الكريم، ومن ذلك قامت بإنشاء مخيم كبير للملك بجوار الطريق بين الدماموالخبر وقامت بإيصال الماء والكهرباء وتمهيد ورصف الطريق المؤدي إلى المخيم، وقامت بتوفير كل المتطلبات الضرورية الأخرى، إضافة إلى تجهيز بيوت ضيافة للملك وكبار مرافقيه في الظهران. وصول الملك في يوم 28 صفر 1366ه الموافق 21 يناير 1947م وصل الملك عبدالعزيز ومرافقوه إلى مطار الظهران (قاعدة الظهران العسكرية) في ست طائرات من طراز دوجلاس تحمل الشعار الملكي العربي السعودي، وكان في استقباله الأمير سعود بن جلوي أمير منطقة الأحساء، ورايفز تشايلدز السفير الأمريكي لدى المملكة العربية السعودية، والقنصل الأمريكي ومسؤولو شركة أرامكو. وأطلقت 21 طلقة من مدافع الجيش العربي السعودي تحية له، وسط هتاف الآلاف من المسؤولين والمواطنين الذين تجمعوا لاستقباله، بينما أخذ طلاب المدارس الحكومية في الدماموالخبر ومدرسة الجبل التابعة لشركة أرامكو يرددون الأناشيد الوطنية. حفل الاستقبال وصل الملك إلى صالة الاستقبال في المطار التي ازدانت بالأعلام السعودية والسجادات الشرقية، وقام المسؤولون الحكوميون السعوديون، ومسؤولو شركة أرامكو وأعضاء السفارة الأمريكية بمصافحة جلالته، وبدأت الخطب الترحيبية حيث ألقى الشيخ عبدالله الملحوق خطبة نيابة عن المسؤولين الحكوميين السعوديين بالمنطقة، أما الشيخ حمد الجاسر من معلمي مدرسة الجبل بالشركة فقد ألقى كلمة وقصيدة منها هذه الأبيات: احلل على الرحب فالأحداق أوطان *** يا من بمقدمه الأوطان تزدان ما غبت عن أمة قد ظل يمطرها *** من فيض جودك بالإحسان هتّان لكن لرؤياك معنى في القلوب له *** من نشوة الحب أنغام وألحان وكذلك ألقى ثلاثة تلاميذ يمثلون المدارس الحكومية في الخبروالدمام ومدرسة الجبل خطبًا ترحيبية، ثم غادر جلالته إلى منزل الضيافة وسط حشود من المواطنين وموظفي أرامكو وعائلاتهم الذين اصطفوا على جانبي الطريق. جولة تفقدية زار الموكب الملكي الموقع الجديد لصنع الطوب التابع لشركة أرامكو في الظهران حيث كان الموظفون السعوديون يصنعون مواد البناء من الطين المحلي، ومر بعدها على إحدى آبار النفط، ومن ثمّ عبر منطقة المكاتب مرورًا بمدرسة الجبل، ثم اتجه إلى المنطقة الصناعية التي تضم ورش صيانة الآلات وورش اللحام وورش النجارة، وكانت الفرصة سانحة لمشاهدة مهارات الموظفين السعوديين الذين تلقوا تدريبًا فائقًا واهتمامًا كبيرًا من الشركة، ثم انطلق الموكب سالكًا طريق الملك الذي سمي بهذا الاسم لأن جلالته قد حلّ بمنزل على هذا الطريق خلال زيارته الأولى للظهران عام 1939م، وبعدها قام موكب الملك بالمرور على المنطقة السكنية. في فترة ما بعد الظهر شاهد الملك ومرافقوه في قاعة السينما فيلم «آفاق سحيقة» وهو أحد الأفلام القصيرة المتعلقة بصناعة النفط. #رأس تنورة# منذ زيارة الملك عبدالعزيز الأولى في عام 1939م، شهدت منطقة رأس تنورة إضافة منشآت صناعية هامة ومنها أرصفة لتصدير النفط في الميناء ومصفاة رأس تنورة، لذا كان الاطلاع على تلك المنشآت من أهم برامج الزيارة حيث وصلت الطائرات الأربع التي تحمل الملك عبدالعزيز ومرافقيه إلى مطار رأس تنورة بعد قيامها بجولة واسعة فوق منطقة المصفاة، ثم ركب الملك عبدالعزيز ومعه ابنه وزير الخارجية الأمير فيصل سيارة كلّف بقيادتها السيد ستيبلتون مساعد المدير العام والذي كان مسؤولا عن المصفاة خلال إنشائها وأوائل مراحل تشغيلها، حيث قام بشرح مرافق الشركة التي يمرون بها، وكان السيد صالح الصويغ مسؤولا عن الترجمة. انطلق الموكب أولًا من المطار إلى ميناء رأس تنورة حيث كانت الناقلة التابعة للبحرية الأمريكية (سيمارون Cimarron) راسية عند الرصيف الجنوبي تحمل النفط السعودي وعلى أهبة الاستعداد لاستقبال جلالته بكامل التشريفات البحرية، وعند وصول جلالته صعد إلى الناقلة عبر جسر خشبي واستقبله القائد وقام بشرح العمليات والمهمات التي تقوم بها السفينة، وقد سرّ الملك وأشاد بكرم وحسن ضيافة أفراد طاقمها. عقب تفقد الميناء اتجه جلالته ومرافقوه إلى منطقة المصفاة، حيث تم تزيين المدخل بقوس مزدوج كتب على أعلاه باللغة العربية عبارة: «نرحب ونحيي الملك العظيم والمحبوب»، وكانت الأعلام السعودية ترفرف في كل مكان، ومظاهر الزينة في كل شارع. بعد مشاهدة منطقة مصفاة رأس تنورة، شق الموكب طريقه عبر بلدة رحيمة حيث توجد المنطقة السكنية للموظفين السعوديين والعرب، وانتهت الجولة بوصول الملك إلى الاستراحة التي أعدت له حيث تناول ومرافقوه طعام الغداء، وبعدها عاد إلى الظهران لأن الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة سيأتي قادمًا من البحرين عبر فرضة الخبر للسلام على جلالته. مأدبة وحفل أقام الأمير سعود بن جلوي في مبنى الإمارة بالدمام مأدبة عشاء كبيرة للملك عبدالعزيز ومرافقيه وشيخ البحرين سلمان آل خليفة ومرافقيه، واعتبرت من أكبر المآدب التي شهدتها المنطقة. وأقامت شركة أرامكو حفل تكريم للملك عبدالعزيز اشتمل على تقديم هدية كانت عبارة عن صندوق من الذهب، في داخله مفتاح ذهبي نقشت عليه الآية: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)، كما تم تقديم اثنين من الموظفين البارزين إلى الملك عبدالعزيز وهما خميس بن رمثان، دليل الجيولوجيين المشهور، وعبدالمحسن جمعان من شعبة النقل ببقيق. النساء والأطفال بعد لقاء الملك عبدالعزيز بعدد من الموظفين الأمريكيين العاملين في شركة أرامكو، أقيم حفل استقبال لحوالي 185 سيدة و50 طفلا يمثلون عائلات الموظفين الأمريكيين والنساء العاملات في شركة أرامكو اللاتي قدمن من جميع مناطق الشركة، وقد طلبت أرامكو منهن ارتداء قبعات وفساتين بأكمام طويلة، وتمّ حفل الاستقبال المميز في ملعب كرة المضرب في الظهران، حيث قامت النساء وأطفالهن بالسلام على جلالته. كان في ذلك اللقاء تعبير عن قوة العلاقات التي تربط المملكة العربية السعودية والولايات المتحدةالأمريكية في مجالات عدة منها الصناعة النفطية، وكانت سعادة الموظفين وعائلاتهم كبيرة بلقاء الرجل العظيم الذي وحد المملكة العربية السعودية، وأعجبوا بتواضعه وشخصيته القوية. كرة القدم من ضمن الأحداث الهامة التي شهدتها تلك الزيارة، حضور الملك عبدالعزيز المباراة النهائية على كأس نائب رئيس أرامكو ماكفيرسون لأبطال كرة القدم لعام 1946م، وأقيمت المباراة بين فريق اتحاد الظهران وفريق الصوماليين وذلك على ملعب الظهران يوم السبت 25 يناير 1947م، وكانت أول مباراة في كرة القدم يشرفها جلالة الملك كما صرح بذلك وزير المالية الشيخ عبدالله السليمان، ولقد انتشر قبل عدة شهور مقطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي يوثق حضور الملك تلك المباراة. جلس الملك عبدالعزيز في المنصة التي أنشئت لهذه المناسبة، وعلى يمينه السيد ماكفيرسون وكان السيد سليمان العليان (رجل الأعمال لاحقًا) يقوم بالترجمة، كما جلس أبناء الملك الأمراء فيصل ومحمد ومشعل وفهد وعبدالمحسن ومشاري، وعدد من أفراد الأسرة المالكة الأمراء والضيوف الملكيين في مقاعدهم. بعد ذلك اصطف لاعبو الفريقين لمصافحة الملك عبدالعزيز، وألقى أحدهم كلمة ترحيبية تلاها هتاف الجماهير (يعيش.. يعيش الملك)، ولقد حضرت المباراة جماهير غير مسبوقة من كافة الجنسيات تجمعت منتظرة قدوم جلالة الملك والضيوف من الأسرة المالكة. وانطلقت المباراة التي تابعها الملك باهتمام، وانتهت بفوز فريق الصوماليين بهدفين مقابل هدف واحد لفريق الاتحاد أحرزه حميد العبيدلي، وقام الملك بتسليم كأس ماكفيرسون لكابتن الفريق الصومالي، كما تسلم حميد العبيدلي كابتن فريق الاتحاد كأس أفضل فريق خلال الموسم الرياضي. لقاء صحفي في لقاء الملك عبدالعزيز مع الصحفيين الذين قدموا لتغطية الزيارة، ظهر جليًا حرص الملك على تنمية البلاد وتطويرها، والاستفادة من العائدات المتوافرة في تنفيذ العديد من المشروعات الإنشائية في مجالات الصحة والزراعة والاتصالات وخطوط السكة الحديدية، كما ظهر اهتمامه بالقضية الفلسطينية في رده على أحد الأسئلة حيث قال: إنها قضية العرب، ونأمل التوصل إلى حل منصف وعادل يحفظ حقوق العرب الذين هم أصحاب الأرض الحقيقيون. نجاح الزيارة كانت الزيارة ناجحة بكل المقاييس، وعبر المسؤولون في الشركة عن إعجابهم بتفاعل الملك عبدالعزيز وتواضعه وكرمه وحكمته ومواقفه الإنسانية النبيلة تجاه الجميع، أما الملك عبدالعزيز فقد عبر عن شكره للاهتمام الرائع والضيافة الممتازة والجهود المبذولة، وذلك من خلال برقية أرسلها في الأول من فبراير إلى ماكفيرسون. المراجع تم الاعتماد في كتابة هذا التقرير على كتاب (الزيارة الملكية - زيارة الملك عبدالعزيز التفقدية لشركة أرامكو) الذي قام بإعداده لجنة من المؤرخين بشركة أرامكو برئاسة ويليام موليغان، وقام بترجمته والتعليق عليه الدكتور فهد بن عبدالله السماري، كما تم الرجوع إلى المعلومات الموثقة من صحيفة Sun & Flare التي كانت تصدرها شركة أرامكو. وصول الملك عبدالعزيز إلى مطار الظهران 1947م الملك عبدالعزيز يصل إلى الناقلة الأمريكية (سيمارون) خلال جولته في ميناء رأس تنورة. الملك عبدالعزيز في جولة في مصفاة رأس تنورة ومعه الأمير فيصل وزير الخارجية عام 1947م. (أرشيف أرامكو) الملك عبدالعزيز يحضر المباراة النهائية بين اتحاد الظهران والصوماليين وعلى يمينه سليمان العليان الذي قام بالترجمة 1947م. الملك عبدالعزيز يقضي وقتًا ممتعًا مع أطفال موظفي أرامكو في حفل الاستقبال في ملعب التنس بالظهران 1947م.