كيف يمكن أن نعيد تحرير السؤال الهائم في أزقة حيرتنا، حين نتناول قضية علاقة أولادنا وطلابنا مع التقنيات؟ السؤال التقليدي يقول: كيف يمكن أن أحمي ولدي من ضرام التقنية؟ والسؤال المحدَّث يقول: كيف يمكن أن أربي ولدي بالتقنية؟ مجرد الانتقال من السؤال الأول إلى السؤال الثاني ينقل القضية من قاعها السلبي إلى قمتها الإيجابية، ومن مخرجات باهتة، إلى مشروعات مبهرة، ومن مجرد السلامة من الأضرار، إلى صناعة الإبداع واستثمار المراحل العمرية الأهم في بناء الشخصية، وتوجيهها نحو إعمار الأرض، وتنمية الوطن، فيما يحقق ذلك الحماية المرغوبة من المربين بأعلى ما يمكن من المعايير. «تهدف التربية التكنولوجية إلى صناعة الفرد الفعّال والواعي والمؤثّر في مجتمعه»، هذا ما يقوله المختصون، ليركزوا على رفع مستوى عمليّة التعلم التي يتلقاها الفرد في المؤسسات التعليميّة وتحسينها، ولكن التربية تتجاوز قضية نقل المعلومة (التعليم) إلى الإحساس بها، ومعايشتها، وتحويلها إلى سلوك، كما تتجاوز استهلاك المتربين للتقنية بطريقة مثيرة لقلق المربين، إلى صناعتها بطريقة مثيرة لإعجابهم وتقديرهم. وإذا كان المربون يشتكون من الحواجز التي صنعتها التقنية بينهم وبين من يربونهم، فلماذا لا تكون (التقنية) ذاتها الجسر المرغوب منهم للتواصل بينهم؟. إن التربية بالتقنية سياق جديد يركز على بناء أجزاء معينة من شخصية المتربي، بل هي الأجزاء العليا منه، تفكيره وإبداعه وإنتاجه وثقته بنفسه، وتقوم على نظرية: (الممارسة الفعلية) التي تعدُّ من النظريات الحديثة التي لها نصيب كبير من المرجعية الشرعية في الكتاب والسنة. إن من أبرز المسؤوليات المناطة اليوم بالقطاعات الثلاثة الحكومية والأهلية والخاصة ترسيخ ونشر ثقافة (التربية بالتقنية)؛ و«تأهيل النشء على التعايش مع هذه التقنية بالشكل المجدي» كما يقول الدكتور خالد الشلفان. وكلما اتسعت دائرة تلك الثقافة في محيطهم كان الاستعداد إلى هذا التحول أكثر مرونة وسرعة. ومما ينبغي استدعاؤه في التربية بالتقنية، ما أطلق عليه: (المواطنة الرقمية) التي جعلت من كل من يتعامل مع التقنية مواطنا في ذلك العالَم الذي يضم حوالي أربعة مليارات من البشر حتى الآن، فيعرف واجباته تجاههم، وحقوقه عليهم، فيما يمارس حقه في استثمار التقنية في تسهيل التعامل مع الحياة، في الوقت الذي يحافظ فيه على القيم الإنسانية، والرقابة الذاتية، ويكون عنصرا من عناصر التقدم البشري بما يضيف من مساهمات عالية الجودة سامية الأهداف، وبهذا ينشغل عن سفاسف الأمور ومحقراتها، وهذا كافٍ للتدرب اليومي بل اللحظي على ضبط الانفعالات، والارتقاء بالاختيارات، والصعود في معارج الاستقامة، والحفاظ على دقائق الحياة، وصرفها فيما يعود عليه وعلى مجتمعه والإنسانية جمعاء بالنفع. ومع ذلك كله، فلا ينبغي أن يحدد لنا أحد الإجابة عن سؤالنا المحدث: كيف أربي ولدي بالتقنية؟ لأن الإبداع في تركه بلا جواب محدد، فهناك مليون إجابة وإجابة، وعلى المربين الذي اعتادوا على الحصول على إجابات جاهزة أن يحرروا عقولهم، ويعطوها الفرصة لتبدع في الإنتاج، وهم قادرون عليه بلا ريب. إن تمكين الأولاد والطلاب من مهارات الحاسوب في بيئات عالية التجهيزات في أندية مدرسية أو جامعية أو حتى أهلية أو خاصة أو حتى في المنزل، وتوفير المدربين المهرة لهم، وتشجيعهم على أن يكون لكل منهم مشروع خاص به، يتناسب مع ميوله الشخصية، سوف يوفر جهدا كبيرا على المربين، بل على كل الدوائر التي تشكو من جنوح الشباب، وهي لا تتعامل إلا مع ردات فعله ونتاج فراغه فقط.