لم أشعر ولو بذرة من الغضب على دونالد ترمب وهو يعلن اعتراف حكومته بالقدس عاصمةً للدولة الصهيونية. ولم أشعر برغبة في أن أمد يدي لتخترق الشاشة وأمسك بتلابيبه وأهزه هزا عنيفا إلى أن يعلن تراجعه عن القرار. ولأول مرة منذ دخوله في البيت الأبيض، أشعر تجاهه بالاحترام. ليس لأنني أؤيد قراره، ولكن بسبب شعور غامض لم يتضح كنهه حتى هذه اللحظة. احترمت ترمب لأنه كان صريحا وجريئا حين اتخذ القرار الذي لم يجرؤ عليه أحد من الرؤساء السابقين منذ أن قرر الكونغرس في العام 1995 نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. واحترمته لوضوح رؤيته لما فيه مصلحة لبلاده على حد تعبيره، واحترمته لقراءته الصحيحة للمرحلة، وإدراكه أن هذه هي اللحظة المواتية والمناسبة لإعلان القدس عاصمة للدولة الصهيونية. فما يسمى الأمة العربية والإسلامية في أسوأ حالات الضعف والعجز والتشرذم والبؤس . بل ان الضعف والهوان بلغ ببعضها حد اعتبار الدولة الصهيونية صديقا وحليفا، ومناضلو الأمس من القوميين والمثقفين أصبحوا أبواقا لترويج تطبيع العلاقات مع دولة أبناء عمومتهم. واحترمته لأنه عرى أمامي إخفاقا آخر من اخفاقات هذه الأمة. فقرار «القدس» ليس جديدا، وليس قرار ترمب نفسه. إنه قرار الكونغرس، قرار ممثلي الشعب، أي قرار الشعب الأمريكي، منذ 22 سنة. فلم يحرك العرب طوال هذه الفترة ساكنا في سبيل الضغط على الحكومات الأمريكية المتعاقبة لغاية إعادة النظر في القرار والتراجع عنه. لقد نامت الأمة آمنةً مطمئنةً إلى وهم أنه لن يجرؤ رئيس أمريكي على تطبيق القرار. ولا أحد يدري على ماذا كانت تراهن. «ماحولك أحد»، أتوقع أن هذا ما قاله مستشارو ترمب له. فبالفعل ما حوله أحد. لا أعتقد أن مكالمات وخطابات التذكير والتحذير بأن لقراره عواقب وخيمة ستدفعه إلى التراجع عنه. سيحتج الاخوة الفلسطينيون، ويتظاهرون ويرفعون ألوية وبيارق انتفاضتهم الثالثة، وستتضامن معهم بعض الجماهير العربية جهرا وصمتا. وفي نهاية المطاف، ستبقى القدس عاصمة للدولة الصهيونية. ولن يجرؤ النظام العربي حتى على الهمس لنفسه: «القدس عروس عروبتنا».