مؤلم جدا ما رأيناه من مشاهد اجتاحت شوارع وانفاق وساحات مدينة جدة، حتى ليظن من لا يعرفها أنها أصبحت مدينة عائمة، والأكثر إيلاما أن هذا الوضع، أصبح حالة متكررة مع كل حالة مطرية، وهو ما لا يليق أبدا بالمدينة التي سُميت بعروس البحر، وكانت ومازالت واجهة بحرية وميناء رئيسيا، وبوابتنا على العالم الخارجي، ويُفترض عطفا على مليارات الريالات التي صرفت على بنيتها التحتية، انها الآن نموذج حضاري مكتمل البنية التحتية منذ زمن، عموما ما وقع عشية المطر، من مآس ومعاناة عاشها سكان جدة، قد يعتبره البعض شرا محضا، والحقيقة أن ما من شر إلا وفيه بعض من وجوه الخير، فلعل تزامن غرق جدة مع ما يجري حاليا من المحاسبة الجادة، التي تقوم بها اللجنة العليا لمكافحة الفساد، برئاسة سمو ولي العهد، هو وجه إيجابي ويبشر بالخير، مما سيجعل جدة في المستقبل القريب في أفضل حال، أيضا هناك وجه إيجابي من نوع آخر، خرج من رحم معاناة جدة، وهو بروز مجموعة من عشرات الشباب، كونوا فريقا شبابيا لإنقاذ المتضررين من السيول في المنطقة الغربية، واطلقوا على أنفسهم مسمى (فريق السلام)، كفريق متطوع ذاتي الإدارة، لإنقاذ محتجزي السيول التي داهمت جدة، فجميل جدا أن نجد من شباب الوطن، من تكون انسانيته ووطنيته حاضرة وفي قمة استعدادها عند حدوث الأزمات وكوارث الوطن، والأجمل أن تنتشر ثقافة العمل التطوعي وتتشربها عقول شبابنا، الذين نفخر بوقفتهم الوطنية ونقدر تضحيتهم بوقتهم وجهدهم، واستخدامهم لسياراتهم الخاصة ذات الدفع الرباعي، خدمة لكل من يحتاج الإنقاذ والمساعدة في ذلك اليوم العصيب، رأينا هؤلاء الشباب أصحاب النفوس الكبيرة، منظمين في عملهم ومميزين بلباسهم الموحد، يعملون لوجه الله ليس مرامهم البحث عن مردود مادي أو حتى ظهور إعلامي، هؤلاء هم من يُعتمد عليهم في وقت المحن، وهم أنموذج للشباب السعودي المشرف صاحب الشهامة والمروءة، الذي يستحق الإشادة والتقدير من الجميع!! الجميع كان شاهدا على نجاح تجربة جدة التطوعية، وقد لمسنا دورها التعاوني الفعال وآثاره الإيجابية في الميدان، وهنا دعوة لاستثمار حماس الشباب، واستغلال حيويتهم واندفاعهم نحو العمل التطوعي، لعلها تكون بداية لانطلاقة فعلية لتأسيس ثقافة التطوع، التي مازلنا نفتقر لها في وطننا، رغم أن هذه الثقافة أقصد ثقافة التطوع، لها أصل شرعي ونابعة من عمق ديننا الحنيف، ف (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا) (وخير الناس أنفعهم للناس)، كل ما نتمناه أن تُعمم هذه التجربة، ويُعمل على توسيع دائرة انتشارها، لعلنا ننهض بالعمل التطوعي، ونسعد بتواجد أكثر من (فريق سلام) في محافظاتنا، وأنا متفائل بتحقيق ذلك متى وجدت الإرادة الجادة في تبني المبادرات التطوعية، من قِبل الجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية، مدعومة بمساهمة إعلامية فاعلة، تروج لهذه التجربة التطوعية، وتشجع على مثل هذه الأفكار والمبادرات الشبابية، فتلك الطاقات تحتاج للتوظيف الإيجابي، ليكونوا مواطنين صالحين همهم خدمة وطنهم ومجتمعهم، وهذا من شأنه تنمية الولاء للوطن وترسيخ حب العمل الخيري والتطوعي في نفوس الشباب!!