رغم كل ما يقال عن تراجع القصة القصيرة أمام زحف الرواية بغثها وسمينها، ورغم نبوءات بعض المتشائمين بانتهاء دور القصة القصيرة أمام التهويمات التي تفرزها محاولات تجسير العلاقة بين الفنون الأدبية، حتى عنونت بعض الخواطر والأفكار باسم القصة القصيرة، ورغم كثرة التجارب غير الناضجة في كتابة «ق. ق. ج» متجردة من كل عناصر القص، ودون أن يعني ذلك رفضا للتجارب الناجحة منها.. رغم كل ذلك ما زالت القصة القصيرة تتربع على عرش السرد من خلال ما يقدمه عمالقة هذا الفن الجميل للساحة الإبداعية في عالمنا العربي، وهو ما تؤكده مهرجانات القصة القصيرة التي تنظمها مؤسسات ثقافية في دول عربية عديدة، وتزايد عدد مواقعها الإلكترونية على الانترنت، إلى جانب احتفاء النقاد بها، ولا ننسى ما تقدمه أنديتنا الأدبية من إصدارات قصصية تخضع لمعايير التحكيم الدقيقة، وما تنشره المجلات الثقافية من قصص قصيرة تنم عن عمق الإحساس لدى كتابها بقضايا الإنسان وهمومه، وبتكثيف يقترب أحيانا من الفنون البصرية والسمعية في تأثيرها على المتلقي، وتواجد هذا الجمع الكبير من كتاب القصة القصيرة في هذا المهرجان، لا يوثق فقط الصلة بينهم، ولكنه أيضا يؤصل لقيم إبداعية تسهم في تطوير فن القصة القصيرة، وتتيح له مساحة أكبر من اهتمام مؤسساتنا الثقافية. واحتفاء الباحة ممثلة في ناديها الأدبي بتكريم رواد القصة القصيرة في بلادنا.. دليل وعي بالمسئولية الإبداعية، بل وتصميم لا يقدم عليه سوى أولي العزم من المبدعين، والكل يعرف أن هؤلاء المبدعين الذين يتولون زمام الشأن الأدبي في نادي الباحة يتمتعون بحس ابداعي رائع.. شعرا ونثرا - رئيس النادي وأعضاء مجلس إدارته - ومنهم من شدا شعرا فاطرب، أو كتب نثرا فتألق، وجميعهم من أدركته مسئولية الأدب فخاض غمارها باقتدار، ليصبح نادي الباحة على أيديهم منار ثقافة، وصرح فكر، ومنبر رأي حر، استقطب المثقفين والمثقفات من داخل البلاد وخارجها، مما أتاح لهذا النادي تقديم مبادرات ثقافية مميزة، ومنها هذا المهرجان، وبهذا العدد الكبير من المشاركين والمشاركات. وتكتمل الفرحة بافتتاح النادي لمبناه الجديد، وهو الأمر الذي يؤسس لعمل ثقافي أكثر قدرة على التحرك في مجالات التأثير في المجتمع، إضافة إلى أن هذا المبنى يعد إنجازا حضاريا ستستفيد منه الأجيال الحالية والقادمة من مثقفي ومثقفات منطقة الباحة. شكرا لنادي الباحة رئيسا وأعضاء لهذه المبادرة الكريمة للاحتفاء برواد القصة القصيرة في بلادنا، وهي مبادرة سيسجلها لهم تاريخ الأدب في بلادنا بأحرف من نور. ولا عجب. ففي باحة الخير، لا يوجد إلا كل خير.