التسامح خصلة نبيلة لها أثرها على النفس والمجتمع.. المتسامح شخص قرر أن يعيش مرتاح البال، وأن يبعد نفسه عن العداوات والمشاحنات. المتسامح من أسعد الناس قلبا، عرف قيمة الدنيا فلم يبال بأخطاء البشر، واتخذ هذه الآية سلما يرتقي به في التعامل، ﴿فَمن عفَا وأصلحَ فأجرهُ علَى اللَّهِ﴾. ما أقساه حينما يقاطع أخا سنوات من أجل توافه.. ما أحمقه عندما لا يغفر لصديق جاءه معتذرا! لو افترضنا أن الإنسان سيعيش في هذه الحياة 65 سنة.. سيقضي قرابة 22 سنة في التعليم حتى يتخرج من الجامعة، فيتبقى 43 سنة.. منها 14 سنة للنوم، ويمضي منها سنتين في الأكل والشرب، وسنتين للنظافة والعناية الشخصية، ومثلهما في المواصلات، فيتبقى 23 سنة من العمر، وإن التحق بوظيفة إلى سن التقاعد، فسيقضي 14 سنة.. يتبقى من العمر تسع سنوات.. يعبد فيها الله ويبر بوالديه، ويربي أولاده.. ويمارس فيها نشاطاته ويتواصل فيها مع الآخرين.. حياة قصيرة لا تحتمل أن نقضيها في المشاكل والهموم ووجع الرأس!.. فعلى المرء أن يعيشها بالطيب والتسامح. الأخلاق الفاضلة هي الآثار التي ستبقى بعد رحيلك، وهي الأعمال التي ستجد أثرها أمامك يوم الدين. في السيرة النبوية استغل المنافقون تخلف عائشة -رضي الله عنها- عن القافلة، ومجيئها فيما بعد مع «صفوان بن المعطل»، فاتهموا عائشة بنت الصديق بالفاحشة، وبعض الصحابة تلقفوا هذه التهمة، ومنهم شخص اسمه «مسطح».. فلما نزلت براءة أمنا عائشة الطاهرة في آيات قرآنية خلدت القصة والبراءة؛ قال أبو بكر وكان ينفق على «مسطح» لقرابته وحاجته: والله لا أنفق على «مسطح» شيئا أبدا، ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة.. فأنزل الله قوله: «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم»... فقال الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى «مسطح» النفقة التي كان ينفقها عليه، وقال والله لا أنزعها منه. تصور قوة هذا التسامح.. واحد يسيء لك ولبنتك، ويتكلم عن عرضك.. فتسامحه وتعفو عنه. التسامح ليس مكرمة نقدمها للآخرين بقدر ما هو وصفة صحية ونفسية ودينية رائعة نُقدمها لأنفُسنا، فبالتسامح تريح قلبك، وتحافظ على رشاقتك الذهنية، وتخفض ضغطك، فالهمّ وارتفاع الضغط أشد وقعا على المرء من الحسام المهند، كما أنك تكسب ود الآخرين وتحافظ على رباط الأخوّة، وفوقها التسامح مما يحبه الله سبحانه ويكافئ عليه، فالله يعامل الإنسان بما يتعامل به مع من حوله، فمن يرحم يُرحم، ومن شق على الناس شق الله عليه، ومن عفا وتجاوز عن الناس تجاوز الله عنه. قال أبو البندري غفر الله له.. وليكن شعارنا في التسامح كشعار أبي بكر لما سمع قوله: «ألا تحبون أن يغفر الله لكم»، فقال: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، التسامح قوة لا يقدر عليها إلا الأقوياء. وعلى الشخص الذي يطلب العفو والتسامح ألا يعتقد أن تسامح الناس معه ضعف وهوان.. عفو الناس عنك يعني أنهم أعطوك فرصة لتصحيح وضعك، ومراجعة مواقفك وتصرفاتك، فاغتنم الفرصة. ولكم تحياتي.