استبشرنا خيرا في المجتمع السعودي بالقرار الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد، لحصر جرائم الفساد. الفساد دينيا كان أو فكريا، إداريا أو سياسيا، اقتصاديا أو اجتماعيا، سرطان خبيث، وعدو متلون، يدخل من عدة مسامات، وبشتى المسميات. الفساد هو العدو اللدود للقيم الأخلاقية القائمة على الصدق والأمانة، والعدل والنزاهة. الفساد هو آفة المجتمعات، ومدمر الحضارات، وهو أكبر عائق للتنمية والتطوير، والتجديد والتغيير، وبناء المستقبل نحو الأفضل والأجمل. ضعف الوازع الديني، وعدم مراقبة الله والخوف منه، وتقديم المصلحة الخاصة على العامة، وحب الذات، وعدم الشعور بالمسؤولية، واستغلال المنصب والجاه، كفيلة بوجود أناس فاسدين وظالمين، لا هم لهم إلا إشباع رغباتهم، وتحقيق تطلعاتهم وأمنياتهم، على حساب أبناء ملتهم ودولتهم، وما علموا أن لهم ربا يُمهِل ولا يهمِل، وأنه كما تدين تدان ولو بعد حين. لقد جاء هذا القرار نصرة للضعفاء والمظلومين، من ملك عادل حازم لا يخاف في الحق لومة لائم، وبمتابعة من أمير صادق وعازم على محاربة الفساد بشتى صوره وأشكاله، وتحقيق العدالة والشفافية التي نرجوها ونتمناها في كل القطاعات العامة والخاصة لهذه البلاد الطاهرة. هذا القرار أثبت للكل أن ولاة أمرنا لا يفرقون بين غني أو فقير، ولا بين قوي أو ضعيف، وأن الكل عندهم سواء في تطبيق القانون والأنظمة، المستمدة من الكتاب والسنة. ذكر بن عبد ربه في كتابه (العقد الفريد)، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كتب إلى عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وكان عامله على مصر: من عبدالله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص سلام عليك، أما بعد.. فإنه بلغني أنك فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك، فاكتب إلي من أين أصل هذا المال؟! ولا تخفي عني شيئا. فكتب إليه: من عمرو بن العاص إلى عبدالله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد.. فقد وصلني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي، وأنه يعرفني قبل ذلك ولا مال لي، وإني أخبر أمير المؤمنين أني ببلد السعر به رخيص، وأني من الحرفة والزراعة ما يعالجه أهله، وفي رزق أمير المؤمنين سعة، والله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك، فأقصر أيها الرجل فإن لنا أحسابا هي خير من العمل عندك إن رجعنا إليها عشنا بها! فكتب إليه عمر: أما بعد، فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر، ونسقك الكلام في غير مرجع، وما يغني عنك أن تزكي نفسك! .. إلى آخر الرسالة. من أين لك هذا؟ قانون ومنهج حياة استعمله سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع من ولاهم على أمر المسلمين، للإصلاح والبناء، وحماية المجتمع من الفساد، وهذا ما ينبغي أن يطبق على أرض الواقع في بلاد الإسلام عامة، وبلاد التوحيد خاصة. حفظ الله ملكنا وولي عهده من كل سوء، وأعانهم على محاربة الفساد والمفسدين، ودام عزك يا وطن.