قضيت رمضان الماضي في الإمارات العربية المتحدة وتحديدا في مدينة دبي، كنت متفرغة وأردت أن أصنع جوا عائليا لابنتي ومجموعة من بناتنا السعوديات اللاتي يعملن هناك. كانت تجربة جميلة رغم أنه رمضان الأول الذي أقضيه خارج بيتي ووطني، ولكن كان لتلك التجربة نكهة خاصة، فقد رأيت فيها عن قرب نجاح وتميز الفتاة السعودية في مكان تعامل فيه كمغتربة، وكم كنت فخورة بهن وبعقولهن الكبيرة وتجربتهن الإنسانية العميقة رغم سنوات أعمارهن الصغيرة، فأكبرهن لم تتجاوز السادسة والعشرين. عشن تجربة علمية وعملية هناك فقد بدأ ابتعادهن عن بيوتهن ووطنهن في سن صغيرة بعد الثانوية مباشرة كباقي المبتعثات وخضن تجربة السكن الجامعي ومن ثم خضن الحياة العامة في مدينة تكتظ بجنسيات مختلفة الجميع فيها يسعى للنجاح حيث شاء لهن الله أن يعملن هناك وهذا ما زاد في اكسابهن الصلابة والجدية والخبرة التي تفوقت على عمرهن الزمني والوظيفي. هذا الأمر لم يكن حكمي الخاص عليهن بل حكم يشترك فيه معي كثير من أرباب العمل هناك، فكل من عرفتهن يعملن في شركات أجنبية ترحب بهن وتفضلهن على كثير من الجنسيات العربية والإسلامية الأخرى. وهذا ما كانت تفصح عنه إدارات الشركات -التي قد تكون أمريكية أو ايرلندية أو فرنسية وغيرها- بعد منحهن الوظيفة. حيث يؤكدون أن شبابنا من الجنسين لهم من المميزات العملية والأخلاقية شيء كثير ولله الحمد. كنت أعد لهن وجبة الإفطار الرمضاني ويأتين إلي حيث أسكن بعد يوم عمل طويل وشاق، ولكنه التعب المثمر الذي يبنيهن. إن التجربة الغنية التي عاشتها فتاة الوطن في الخارج أثناء الابتعاث لها أثرها القوي والواضح على شخصياتهن قد لا تحصل عليها كل فتاة لو عاشت بين أهلها وليست البيوت متشابهة من الداخل لذا عندما يخرجن تصبح القوية أقوى وتصبح الضعيفة في طريقها لتكوين شخصيتها أو اكتشاف قدراتها، لا شك أن السفر والاندماج مع مجتمعات أخرى له فوائده المتعددة التي استطاعت أن تكسب فتياتنا كثيرا من الإيجابيات التي لم يكن الذين يعارضون الابتعاث يفكرون بها، وكانوا لا يرون إلا السلبيات التي لا يقع فيها سوى الضعفاء. إن تلك التجربة الغنية هي التي بينت لنا ولهن أن الخيط الرفيع الذي يفرق بين فتاة خارجة عن العادات والتقاليد وأخرى منفتحة وعصرية يكمن في عقل وقلب كل واحدة منهما، وأكاد أجزم بأن الأولى غير المنفتحة في عقلها وفيما بينها وبين نفسها بشكل صحي هي التي تظهر منها تصرفات تعلن فيها التحدي لكل ما اعتادت عليه في بيئتها، في حين أن الأخرى الواعية التي قد تشاركها في رفض بعض العادات إلا أنها أكثر هدوءا في التعاطي مع الموضوع فتجربتها وانفتاحها لها وليس ضد الآخرين وهذا ما نراه في مجتمعنا الذي قد يرى ما لا يرضيه من هذه وتلك ولكنه متسامح مع الواعية المتزنة التي لا تجرح مشاعره ولا تنتقص من قدره وغير قادر على مسامحة الأخرى التي تتعمد الإساءة له. في السنوات القادمة سنرى كثيرا من الجمال من جيل الابتعاث الواعي الذي يتناسب مع المرحلة القادمة التي ستعيشها البلاد بإذن الله ولا عزاء للمتوجسين خيفة من كل جديد.