مع انتشار الفِرق التوعوية التي أصبحت تشجع الأفراد على القراءة وتقنِعهم عن طريق غرس فكرة أنهُ لا يمكن لأمةٍ أن ترتقي وتتقدم فكريا وثقافيا دون القراءة وتنويع مصادر الإطلاع، ومن أهم ما يمكن أن يحظى بجانب واسع من الاهتمام الثقافي هو اللغة العربية. نُلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور بعض من الكتاب المبتدئين، يتجهون إلى الكتابة باللغة العامية، في المقابل تُصدر هذه الكتب من دور النشر وتُباع في المكتبات لتلقى إقبالا كبيرا من فئة المراهقين، ولو تأملنا خزينة هؤلاء القراء لما وجدنا سوى الأفكار التافهة والمصطلحات المستهلكة الركيكة أبعد ما تكون عن الثقافة الأصيلة، فالقراءة في مفهومها الحقيقي توسيع للمدارك وتنمية وإثراء لغوي ومعرفي، دخول اللغة العامية على رف الكتب الأكثر مبيعا ما هي إلا نقطة سوداء في تاريخ الكتابة. العلم حق خالص لجميع الشعوب والأجيال وليس يُقدم إلى فئة بعينها لكي ينحصِر في دائرة مجتمعية محدودة يحادثهم بلهجتهم الخاصةِ بهم، ولا يخرج عن حدودها! فاللغة العربية هوية وعامل مشترك بين العرب أجمع، وإنا نلمح أطراف مشكلة فعلية عندما نُراجع أنفسنا ونجد أننا نجهل قدرا لا يُستهان به من المصطلحات البليغة والفصيحة على حدٍ سواء. أما بالنسبة لاختلاف اللهجات التي أُستحدِثت فيما بعد فقد كانت نتيجة لعدة عوامل منها: الهجرة والاستعمار الغربي وبداية مع عصر الضعف من أيام دولة المماليك واختلاط العجم والعرب بالمعاشرة. ما يحدث اليوم بحق اللغة العربية والكتابة الأدبية انما هو أشبه ما يكون ب«آفة العصر» وأذكر هنا بيتا لحافظ إبراهيم عندما رثى اللغة العربية لإهمال أهلها لها قائلا: (وسِعتُ كتاب اللهِ لفظا وغاية، وما ضِقتُ عن آيٍ بهِ وعِظاتِ، فكيف أضيقُ اليوم عن وصفِ آلةٍ، وتنسيقِ أسماءٍ لمُخترعاتِ). ويُذكر أن ما يُنتقد هنا ليس استخدام العامية في حياتنا اليومية بحد ذاته، بل هو انتقاد نقلها بالكتابة إلى الكتب، فمهما كثُرت الكلمات والعبارات في وقتنا الحالي فهي لم ولن تفوق دقة وصحة الفصحى في التعبير وإيصال المعلومة. بناء على ما تقدم، أرى أنه يتوجب على الجهات المختصة تحديد معايير وشروط للإصدار؛ لمنع حدوث أيٍ من تلك المشكلات، ومن جهة أخرى تفرض على دور النشر ألا يكون همها الوحيد هو المادة، فما تفعله من نُبُل يبني العقول ويسمى بالنفوس عظيم إلى حد لا يمكن إغفاله إذا لم تتخللها تلك العيوب الآنف ذكرها. و أقترح أن يتم اعتماد بيان وليكن بمثابة اختبار مبدئي، الهدف منه أن يخضع له الكاتب أو المتقدم لإصدار كتاب إن صح التعبير يتضمن الأفكار الأساسية التي تتعلق بإصدار الكتاب، وما هي الرسالة التي يود أن يوصلها الكاتب للقارئ، واشتراط أن تكون اللغة التي ستُكتب فصحى بحتة بحيث تُمنع طباعة كتاب كائن ما كان مضمونة بلهجة عامية أو غير رصينة. والمجال التوسعي والإبداعي فيما يخص الكتب هو أن تحظى لغتنا العريقة باهتمام كبير، ليتسنى للأجيال الحالية والمستقبلية الإبحار في لذة اللغة وروعتها. قبل الختام.. أود توضيح الهدف من وراء النقد بأنه يكمن في تعزيز اللغة العربية الفصحى ولفت الانتباه بالقدر الذي يوفيها حقها، كما أتقدم بخالص الشكر إلى صحيفة «اليوم»؛ على إتاحتهم لي الفرصة ودعمهم لأقلام الكتاب في شتى المجالات.