قد لا يدرك البعض أو ممّن استلوا أقلامهم بدموع حبرهم، وهم يكتبون عبارات مذلّلة بحنينية قد حلّت عليهم بعيدٍ من غير فرح وأفراح، فغاصت عباراتهم عائمة ودائخة وحائرة بأسئلة قاصرة وعاجزة ومكابرة. تساءلوا جميعا عن غياب مهرجان، ولم يسألوا أنفسهم، أو يُسائلوها: عن سبب هذا الغياب ومُسبباتهُ؟ أما كان الأجدى بهم طرح هذا السؤال العريض والعائم في السؤال قبل الإجابة، عن عمر هذا المهرجان، وما قصرَ من عمره، بعد أن كان طوفانا من الحركة والنشاط والليالي والندوات، والتبشير والبشارة بأعمال الخير التطوعية، وغيرها من تلك الاحتفاءات الشكلية، والشكلانية العريضة ببهرجاتها. المهرجان الذي علّق وسمه ووسامه التراثي العريض، بإحياء تلك الحنينيات التي فلُتت من عقالها، وغيابها، وكأنما الأرض التي ابتلعتها قبل البحر، لفظتها في صباحاتها الرطبة تلك من غير أي بيان وتبيان وعلامة ورؤية. المهرجانات لا تصنعها الأقلام العابرة أو الطارئة أو حتى الدخيلة، ولا حتى من تماهت بهم الصور، فتاهت صورهم بين أعياد وأثواب جديدة غسلتها ملوحة البحر، فبهت بياضها الناصع يوم ابيضّت الأثواب التي اغتسلت بالماء. والغناء والإنشاد. المهرجان الذي احتجب، أو حُجب عن عيدين مرّ بهما مرور النسيان. هل ما زال أثره في عيون الأطفال؟ وهل ترك أثره أو أنشودته على شفاههم؟ أسئلة بسيطة، وربما ساذجة، يجب أن يسألها من يكتب عن هذا الغياب؟ لكن هناك الأسئلة الكبرى لعبور هذا المهرجان. أسئلة لو كُتبتْ، لربما احتاجت لأكثر من تدقيق وتمحيصٍ لسرد هذه المسيرة الاحتفائية التي خطفتْ بأشرعة «مركعة» ومبلّلة بمجازات أهل البحر ولسانهم، حين أبحرت سفن السنيار بنواخذته غير الكفؤ، لإحياء هذا المهرجان بعنوانه الكبير. فالذين أبحروا بالعنوان، لم يهتدوا لهيراته، إنما أمسكوا بحبل الشراع واسمه، وتناسوا أن اليد هي دفة الشراع، وأن التراث لا يحتاج إلى رقصةٍ، قبل أن تطربك المفردة بمفهومها التاريخي وسرديته، وعباراته اللغوية بمفرداتها البحرية الراقصة الطروبة. القائمون على هذا المهرجان، لم يكونوا مؤهلين لهذه الأمانة المعرفية، لمفهومية التراث وإحيائه، ولهم أن يعترفوا بهذا بعد أن فشلت مسيرتهم، وإبحارهم بهذا السنيار الذي كبرت محامله وزادت بين عشية وضحاها. لا يكفي أن ترفع عنوانا، وتنازع به الغير، ما لم تملك المعرفة والتاريخ لمفهومية للتراث الذي تحييه قبل أن تحياه. فمن تباهى بكتابته وحضوره، وتسابق في الحضور، عليه أن يكتب ويتساءل عن تلك الأسباب والمسببات قبل المسبّات، وقبل أن يعتب ويتعاتب، ويتباكى على غياب العيد ومهرجانه: ما سبب هذا الإخفاق والغياب؟