برودة الطقس هنا في موسكو حيث تصل درجة الحرارة الثلاث درجات، تقابلها حرارة احتفاء كبيرة من نوع خاص لضيف البلاد الكبير خادم الحرمين الشريفين. وعلى مدى أكثر من ثمانية عقود، ظلت العلاقات السعودية الروسية على رأس أولويات القيادة في البلدين، فالاتحاد السوفييتي الذي تزامن تأسيسه مع تأسيس المملكة بفارق ثلاث سنوات، كان أول من اعترف بالمملكة العربية السعودية عام 1926م، وبادر بعدها بأربع سنوات فقط بتحويل القنصلية السوفييتية في جدة إلى سفارة، فيما توالتْ زيارات المسؤولين السعوديين تباعًا وعلى أعلى المستويات للاتحاد السوفييتي أولا، ولاحقا لجمهورية روسيا الاتحادية إدراكًا منهم لأهمية الدور الروسي، وحرصًا على إقامة أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية مع موسكو كمحطة دولية في غاية الأهمية، وتوالت زيارات القيادات السعودية للعاصمة الروسية. الذي تابع الاستعدادات الروسية المكثفة لهذه الزيارة على كافة المستويات والحفاوة البالغة سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، ومن قبل الإعلام الروسي يستطيع أن يدرك حجم التقدير الذي يحظى به خادم الحرمين الشريفين كزعيم أممي لدى القادة الروس، وما تحظى به المملكة كشريك إستراتيجي يعوّل عليه في كل الملفات البينية والإقليمية والدولية. اللقاءات الصحفية لكبار القادة الروس، وما علقوه من تطلعات وآمال على هذه الزيارة التاريخية تؤكد حقيقة الرؤية الروسية للدور السعودي في المنطقة والعالم، حيث عبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن ذلك بقوله: إن هذه الزيارة تمثل «انعطافة حقيقية» في علاقات البلدين، متوقعا انتقال التعاون بين البلدين إلى مستوى جديد تماما ستنعكس آثاره على قضايا المنطقة، وعلى التنسيق في أسواق النفط، ومقاربة وجهات النظر بين دول الأوبك وروسيا الاتحادية بصفتها أكبر المنتجين خارج الأوبك لحماية أسعار النفط. وموقف الوزير لافروف عبر عنه، أيضا، وزير الخارجية الأستاذ عادل الجبير، وفي ذات السياق تحدث السفير السعودي في موسكو عبدالرحمن الرسي ل«اليوم»، وأكد أنه سيكون لهذه الزيارة التاريخية آثارها العميقة ليس فقط في مسيرة تنمية العلاقات الثنائية بين البلدين، وإنما في أوضاع المنطقة بشكل عام، حيث ستصب مخرجاتها بالتأكيد في مصلحة إيجاد الحلول للكثير من أزمات المنطقة. كذلك ما أدلى به المتحدث الصحافي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الذي رأى أن المملكة وروسيا تظهران إرادة سياسية لحلحلة الأوضاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتسوية النزاعات، وتطوير العلاقات الاقتصادية، إذ ستشهد الزيارة توقيع عدد من الوثائق والاتفاقيات المشتركة. أيضا.. تستمد هذه الزيارة الاستثنائية أهميتها كذلك من كونها الزيارة التي تتزاحم فيها الملفات على قائمة الأولوية بحيث تصبح كلها في نظر الطرفين في عداد الأولويات، سواء ما يتصل بالمباحثات السياسية أو الاقتصادية أو التجارية والاستثمارية التي تحملها رؤية المملكة 2030 أو حتى الثقافية، خاصة وأن ثمة أسبوعًا ثقافيًا سعوديًا واكب هذه الزيارة تحت عنوان «المملكة.. رؤية من الداخل»، يهدف إلى تقديم صورة واضحة عن الثقافة السعودية والفنون السعودية المختلفة للتعريف بالواقع المحلي، ومدّ جسور التواصل فيما بين الثقافتين. وهكذا تلتقي الرياضبموسكو في هذه المرحلة الدقيقة تحت أنظار عواصم العالم التي تعلق على هذا اللقاء الكثير من الآمال والتطلعات لما يتمتع به البلدان من نفوذ مؤثر في المنطقة بغية إخراجها من دوامة الصراعات، وإعادة تأهيلها للمستقبل، عبر استثمار قواعد الثقة المتبادلة بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والرئيس بوتين، وما لهما كزعيمين دوليين من مكانة دولية تؤهلهما لحلحلة عقد هذه الأزمات المتلاحقة، وتدشين حقبة جديدة لا مكان فيها للإرهاب أو التطرف أو العدوان وزعزعة أمن الشعوب. نعم.. هي أربعة أيام التي ستحتضن فيها العاصمة الروسية أول ملك سعودي يزورها، لكن هذا الغلاف الزمني سيحتوي بمخرجاته، وما ينتظره الجميع منه، بإذن الله، موعد اشراقة شمس جديدة لمنطقة تنعم بالأمن والسلام، ولا لغة فيها سوى لغة البناء والتنمية والتعاون المشترك بين شعوبها ودولها. إنها زيارة التاريخ الذي سيتّخذ من الخامس من أكتوبر وسمًا للسلام بتوقيع زعيمين كبيرين قادرين على استبدال خارطة الحرب بخارطة الحب، وخارطة الاقتصادات المحلية بخارطة الاستثمار المرن والمنفتح على الجهات الأربع لخدمة الإنسان والإنسانية، وحماية المستقبل من رصاص النزاع وبارود الخلافات والتقاتل.