ما نقصده هنا هو الاتجاه الذي أصبح سائدا في دوائر التدريب الوهمي، واستغلال ما يسمونه الإيحاء الإيجابي في قطاع عريض من سوق المعالجات في العالم الغربي. فتقنيات ما يسمى «التفكير الإيجابي» قائمة على رتوش يرتبها رواد تلك الدوائر بصورة شبه منطقية، لكنها في الواقع خارجة عن ذات الإنسان، ولا تنطلق من داخله، كما أنها لا تغير ولا تؤثر فيه جذريا على المدى الطويل. فغاية ما تصنع تلك الرتوش الخارجية هو إبعاد الجوانب السلبية عن التفكير الآني، فهي طريقة في الاختيار، ولا تمس بأي حال جوانب الوعي. وخلاصة التحول في هذه العملية، أن هذه الآلية (التفكير الإيجابي) تقوم فعليا بدفع تلك الجوانب السلبية التي يود المرء الخلاص منها إلى منطقة اللاوعي؛ لكي تصفو منطقة الوعي للتفكير الإيجابي، وهنا تكمن المشكلة الكبيرة، إذ ان اللاوعي أقوى كثيرا من مقومات الوعي في دماغ الإنسان، وبالطبع أعلى أضعافا في التأثير وطريقة توجيه السلوك. فعندما يتحكم شيء ما في اللاوعي، فإنه يصبح مسيطرا على تفكير الإنسان، ومسيّرا لتصرفاته العفوية، وفهمه لطبيعة الأشياء. قد لا يكون ذلك بالطريقة القديمة، عندما يكون في إطار الوعي المقنن من خلال المنطق، لكنه يجد طرقا أخرى بديلة لا توحي بما كان عليه الحال عندما كانت آليات التفكير فيه في واجهة التفكير المنطقي. فهي آلية تقمع التوجه نحو تلك الأفكار، دون إعطاء المرء فهما عميقا لعلاقاتها وأثرها، وبالإيحاء من خلال أفكار خاطئة عن الذات وآليات القرار فيها. وإذا نظرنا إلى تاريخ نشأة هذا الاتجاه (التفكير الإيجابي)، نجد أنه نشأ أصلاً في كهنوت طائفة مسيحية أمريكية، وكان يُسمى «العلم المسيحي»، ومن أجل إبعاد تأثير مصطلح «المسيحية»، مما قد يعيق انتشار هذا الاتجاه لدى الفئات غير المسيحية، أو غير المتدينة، لجأوا إلى فلسفة «التفكير الإيجابي». وهذا العلم المسيحي يؤكد أنصاره، أن أي شيء يحدث للمرء في حياته ليس سوى إنتاج فكرة. فإذا كنت تريد أن تكون غنيا، فعليك بالتفكير في الغنى وتكبر غنيا. وهناك طرفة تحكى عن أحد رواد تلك الطائفة، الذي ألمّ به مرض فغاب عن اجتماعاتهم، وقابلت إحدى السيدات المنضمات حديثا إلى الجماعة أحد أبناء ذلك الرجل فسألته عن أبيه، وأنه لم يعد يأتي إلى اجتماعاتهم الأسبوعية، وأنه العضو الأقدم في المجموعة، وربما هو المؤسس للجمعية. فأجابها ابنه: «هو مريض ويشعر بالضعف الشديد». ضحكت السيدة، وقالت: «هي فقط فكرته، ولا شيء غير ذلك. هو يفكر بأنه مريض – هو ليس مريضا، وهو يفكر بأنه ضعيف – هو ليس ضعيفا. الحياة قائمة على الأفكار، فالطريقة التي تفكر بها، تكون حياتك سائرة عليها. فقط أخبره بأيديولوجيته التي كان يعظنا بها، وأخبره بأن يفكر بالصحة، وأخبره بأن يفكر بكامل النشاط». فقال الشاب: «سأقوم بنقل الرسالة إليه». وبعد ثمانية أو عشرة أيام قابلت السيدة الشاب مجددا، فسألته: «ماذا حدث؟ هل أوصلت إليه الرسالة، فهو لم يأت بعد إلى اجتماعنا الأسبوعي». فردّ عليها الشاب:«أوصلت إليه الرسالة سيدتي، لكنه الآن يفكر بأنه ميت. وليس هو يفكر بذلك فقط، بل كل الجيران، والعائلة، وحتى أنا نفسي أفكر بأنه ميت. فهو لم يعد يعيش بيننا، لقد ذهب إلى المقبرة»!