يخطئ من يعتقد بأن ثقافة ( الرجل الأبيض) ارتبطت فقط بمرحلة الاستعمار في شكله التقليدي . ثقافة الرجل الأبيض متجذرة في اللاوعي الغربي منذ زمن بعيد جدا ، والأهم أنها ما زالت موجودة ومؤثرة أكثر بكثير مما يبدو على السطح . جذور هذه الثقافة التي يمكن تلخيصها في الإيمان بتفوق العرق الأوروبي وربط الخلاص به وكأنه مبعوث العناية الإلهية ، تعود إلى القرون الميلادية الأولى .. أي عندما اعتنقت الإمبراطورية الرومانية المسيحية واعلنتها دينا رسميا للدولة . منذ ذلك الوقت بدأت الفكرة القائمة على تفوق الإنسان الأوروبي ، تسيطر على وعي ولاوعي الشعوب الغربية التي ابتدأت في دخول المسيحية تباعا . وهي مسيحية مختلفة بشكل واضح عن المسيحية التي كانت وما زالت سائدة في الشرق . في رأيي أن أهم المظاهر التي تثبت إيمان الإنسان الغربي بثقافة أو فكرة تفوق الرجل الأبيض ، تتجسد في المنحوتات واللوحات الفنية التي تمتلئ بها الكنائس والمتاحف والتي تصور السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، وأمه السيدة مريم العذراء ، وكأنهم ينتمون إلى شعوب أوروبا التي تتميز بالشعر الأشقر والعيون الزرقاء . وهذه مغالطة منطقية وتدليس تاريخي ، إذ أن المعروف عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام أنه ينحدر من أصول سامية وينتمي إلى فلسطين ، أي ليست له علاقة بأوروبا من قريب اوبعيد . ومع ذلك فإن الوعي الغربي تبنى بشكل غير مباشر ، فكرة ارتباط المسيح بالعرق الأوروبي ! وحتى بعد عصر النهضة الذي شهد ثورة أوروبا على سلطة الكنيسة التي كانت تحتكر حق البت في كل الشؤون المعرفية ، استمر الوعي الأوروبي في تقبله لهذه الحيلة الدفاعية التي كان لها أبرز الأثر في ترسيخ ثقافة الرجل الأبيض . ومع أن سلطة العلم امتدت لتشمل كل مناطق البحث وكافة ميادين المعرفة ، فإن ملامح المسيح الأوربية لم تكن يوما موضع جدال أوبحث علمي حتى ظهرت دراسة في السنتين الأخيرتين تشكك في الملامح الأوروبية الصرفة التي عُرف بها السيد المسيح عند غالبية المسيحيين في العالم . مشكلة الغرب مع العنصرية تعود إلى اللاوعي أكثر من الوعي .