لقد أكرمني الله في حج هذا العام 1438، وتمكنت من رؤية التطور الكبير الذي شهده هذا الموسم من خدمة للحجاج الذين أتوا من كل فج عميق وذلك بفضل الله ثم بجهود المخلصين تحت القيادة الحكيمة. انطلاقا من قوله تعالى «وإِذ جعلنا البيت مثابة لِلناسِ وأمنا واتخِذُوا مِن مقامِ إِبراهِيم مُصلى - وعهِدنا إِلىٰ إِبراهِيم وإِسماعِيل أن طهِرا بيتِي لِلطائِفِين والعاكِفِين والرُكعِ السُجُودِ» (125) البقرة. فإن الله يوفق كل من يخدم حجاج بيته وهو ما يتحقق لهذا البلد المبارك الذي أكرمه الله بقيادة حكيمة، رغم كل العواصف التي تواجهنا. بعد زيارتي لبيت الله عدة مرات في سنوات مضت فإني أستطيع أن أقارن بوضوح بين خدمة الحجيج الموفقة في السنوات الماضية وبين خدمتهم هذه السنة التي حصلت فيها نقلة نوعية على جميع الأصعدة؛ مما جعلني على يقين أن الحج هذا العام حقق الكثير من الأهداف المهمة في جمع شمل هذه الأمة المباركة. أركز في مقالي هذا على الأخلاق السامية التي ظهرت واضحة جلية على محيا رجال الأمن، الذين كانوا يتسابقون على خدمة الحجاج وزوار بيت الله الحرام، حيث انعكست هذه الأخلاق الطيبة مباشرة على الجمع الغفير من سواد الأمة، حيث أزالت الحواجز بينهم ونشرت المحبة في صدورهم والكل مبتسم وبدا كل منهم يساعد الآخر فقد رأيت الصغير يقوم من كرسيه ليجلس الكبير والقوى النشيط يقوم ليجلس مكانه الضعيف. لقد قابلت أناسا من مختلف الجنسيات يثنون على هذه الجهود ويدعون بالبركة للقادة العظام. ومما لا شك فيه أن كل حاج سيكون رسولا يحمل هذا المعاني السامية التي بينها رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم-: «إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا»، رواه مسلم. لقد أحسست بفخر واعتزاز لكوني أحد ركاب السفينة التي تصدرها ربان قد امتلأوا حكمة وإخلاصا بل ذهب بي التفكير الى أبعد من ذلك حيث استشعرت أن النبضات بدأت تدب في جسد الأمة التي مرضت لقرن من الزمان، وذلك تحت راية القيادة الطموحة للبلد الأكثر أمنا واستقرارا بين العالم الإسلامي، مما يحتم عليها أن تكون في الصدارة لقيادة الأمة، وحل جميع أزماتها؛ لكيلا يفكر أي متطرف أو شخص منحرف التفكير أن يظلم انسانا في بورما أو بلاد الشام أو غيرها من البلدان التي تعاني من القتل والظلم والتشريد. إننا نعيش اليوم قفزات في تطور بلدنا على كل الأصعدة، انطلاقا من خدمة الحرمين الشريفين إلى التحول الصناعي، الذي بدأ يأخذ مجراه بعمق وسوف ننطلق عند وجود أي فسحة بين الأمم لنرقى ونصعد إلى القمم فكل ما نحتاجه هو تنظيم للعمل وتوحيد للجهود بأخلاق إسلامية وتعاملات سامية مثلما حصل في حج هذا العام. لم أتمالك نفسي واغرورقت عيناي عند كتابتي هذه الكلمات، وأنا أشعر بالعزة لأكتب هذا المقال، وأشيد بجهود رجال الأمن وقادة الأجهزة المختلفة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والمخلصين حفظهم الله. وإلى الأمام لتمخر السفينة عباب البحر الخضم حتى نصل إلى القمم.