في اليوم الأول من انتظام الطلاب في صفوفهم، يعود السؤال السنوي المعتاد الذي يطرحه المعلمون لطلابهم، وهو أين سافرتم في هذا الصيف؟، أو كيف كانت رحلتكم في الإجازة الصيفية؟ سؤال يتكرّر منذ أن كنا طلابًا في المرحلة الابتدائية، رغم أنه في تلك الفترة لم يكن يسافر في الإجازات غير «علية القوم».. آنذاك لم نكن نتردد في ممارسة الكذب الذي دفعَنا له مدرّسونا دفعًا. كنا نتخيّل سفرًا لم يحدث ونركب طائرة من ورق ونستمتع بمناظر طبيعية «مزوّرة»، بينما نحن في الواقع، لم نغادر حارتنا بحَرِّها ورطوبتها.. حينها لم يكن لذلك السؤال أي تأثير سلبي على أي طالب، فمعظمنا إن لم يكن جميعنا نكذب ونعيش مع تلك الكذبة نفس الأحلام والتخيُّلات. لقد تغيَّرت الأحوال، وما كان قبل خمسة عقود، بات من الذكريات، فالأكثرية أصبحت تسافر حول العالم، بينما تبقى الأقلية ولظروفها الاقتصادية، عاجزة عن مغادرة الوطن.. وهو ما يجعل طرح هذا السؤال محرجًا لمن يعجزون عن السفر. المعلم الذي لا يستطيع إثراء فصله بما يفيد أو يسلّي «كل» طلابه لا بعضهم، هو معلّم لن يكون بمقدوره تخريج جيل متوازن نفسيًّا وعلميًّا.. بينما المعلم الفطين هو مَن يتجاهل ما يُبرز الفوارق بين طلابه، فيكسب احترام الطالب الفقير، كما الطالب الغني. هناك أسئلة يمكن طرحها على الطلاب، تحمل معها رسائل تثقيفية وتحفيزية، كأن يسأل المدرس طلابه إن كان أحدهم قد شارك في الأعمال التطوعية في الإجازة الصيفية، أو إن كانوا قد ساهموا في الأنشطة المجتمعية في محيط أسرتهم أو مدينتهم.. فمثل هذه الأسئلة ترفع من شأن هذه الأنشطة، وتجعلها معيارًا للمقارنة بين الطلاب، بعكس ذلك السؤال «الغبي» حول السفر، والذي يعتمد على معيار المال والمفاخرة. المعلم صاحب رسالة خالدة.. فليكن كذلك.. ولكم تحياتي.