هناك من يتحدثون عن اعادة كتابة التاريخ.. ولعل ذلك ما جعل الكونفدراليين يحاولون جس نبض الشارع الامريكي. فبعض هذه التماثيل بنيت في الخمسينيات والستينيات عندما طالب ابناء العبيد الذين عرفوا فيما بعد بالامريكيبن من اصل افريقي بحق المواطنة الكاملة. فالتاريخ نتعلم منه ولا نعيد كتابته، والعاصفة التي تهب حاليا من الجنوب الاميركي «ليست عن التاريخ وانما عن اللون الابيض»على حد قول احد كتاب صحيفة الجارديان البريطانية الذي يرى ان رموز الكونفدرالية في امريكا جزء من سياسة تنطلق من مخاوف اضمحلال اللون الابيض في كثير من المدن الامريكية. وتغلغل ثقافات وافدة تتخذ طريقها سربا في التيار العام. فهي تريد ان تجعل من السود والملونين كبش فداء وقد تم حسمها في شارلوتسفيل. ما حدث في الولاياتالمتحدة يجعل شعوبا غربية اخرى تلتفت الى رموزها المنصوبة في ميادينها العامة. فهناك الكثير الذي يجعلهم يحنون جباههم خجلا لما توثقه تلك الرموز من وصمة عار ومنها تمثال سيشل رودس في جامعة اوكسفورد (من ابرز الاستعماريين في الامبراطورية البريطانية فرض سيطرتها على مناطق واسعة من العالم وخاصة في الجنوب الافريقي). يعرف بلقب ملك الألماس الذي نهبه من مناجم جنوب افريقيا وانشأ شركة دي بيرز التي تسيطر على معظم مناجم الماس في العالم اليوم، وحتى ويستون تشرشل الذي يتهمه البنغاليون بقتل ثلاثة ملايين منهم. فالبريطانيون مارسوا انواعا من الارهاب الثقافي وقهر الشعوب يندى له الجبين. أيضا فإن الرقيق الذين بنوا مجد الامبراطورية البريطانية ووعدتهم بالحرية اذا ما قاتلوا في جيوشها سقطوا من ذاكرتها التاريخية وتركتهم يتسولون في شوارع المدن البريطانية. إذن ووفقا للجارديان، فإن مقولة الرئيس ترامب ان ازالة رموز الكونفدرالية «تمزق تاريخ وثقافة بلدنا العظيم» اثارت العديد من الاسئلة، بما في ذلك السؤال الكبير: من هم الذين يشملهم «بلدنا العظيم» هذا؟ ربما لم يقصد ترامب فئة بعينها، ولكن اتاحت للشارع العام والسياسيين والكتاب والمفكرين فتح جروح اندملت وجدلا يعود الى بدايات تأسيس الجمهورية الامريكية. فهل تقوم الجنسية الامريكية على قيم مشتركة بغض النظر عن الجنس والعرق والاصول الوطنية ام انها ما زالت تقوم في رأي البعض «على ملكية الارض والدم» على حد تعبير النازيين في شارلوتسفيل الذين بدا ترامب لمنتقديه انه تبنى وجهة نظرهم؟ وبالعودة للتاريخ الامريكي نجد أنه لا ترامب ولا المتظاهرون في شارلوتسفيل قد ابتدعوا مقولة «الولاياتالمتحدة هي ارض الناس البيض». فقانون الجنسية الذي سن عام 1790 وضع خطوطا توجيهية يصبح من يلبي شروطها محصورا في الاشخاص البيض فقط. «اي ان امريكا في الاصل بنيت على اساس عنصري». كان ذلك زمن تصنيف المجتمع الى سادة وعبيد. فالقوي لا يكتب التاريخ فقط وانما يسن ايضا القوانين التي تكرس وتفرض عاداته وتقاليده. ولقد كان حق المواطنة في امريكا قبل الحرب الاهلية التي تعرف ايضا بحرب التحرير يُعرَّف على اسس فردية، فبعض السود المعترف بهم ممن ولدوا ضمن الحدود التي ولدوا فيها يعتبرون مواطنين داخل تلك الحدود، لكن اعدادا كبيرة منهم لم يتم اعطاؤهم حق المواطنة الذي عرفه روجر تاني رئيس المحكمة العليا عام 1857، والذي ازيل تمثاله في بالتيمور هذا الشهر بقوله إن «السود كانوا وسيظلون اجانب في امريكا الى الابد».