يبدو أحيانًا وكأن هناك قوى بداخلنا تقاوم التغيير، فحتى لو استطعنا تمييز الأشياء الجيدة لمصلحتنا بوضوح، فكأنّ لنا عقلين متصارعين، الأول يريد التطور، بينما يقاوم الثاني بقوة وبدون وعي لإبقاء الوضع الراهن. يفسّر ذلك تكرار معظمنا الأخطاء نفسها والانغماس في الممارسات اللا صحية والعادات السلبية كالتسويف، وفوضى الوقت، وإدمان الإنترنت، والتسوّق المرضي، وتطول القائمة، ورغم استمرار وعودنا ومحاولاتنا للتوقف، لكننا حين نفشل في قهر تلك العادات نصبح أكثر يأسًا ونقدًا لأنفسنا، مما يشعرنا بالذنب ويقلص ثقتنا. يحدث ذلك؛ لعدم التواصل الواضح بين شخصياتنا الداخلية، فهناك ذات واعية تفعل الأمور بشكل واع، وذات تلقائية تؤدي معظم أعمال الحياة ببرمجة لا واعية، وهي التي توجّه معظم سلوكياتنا والتلقائية خاصة، فحين تكون الذات الواعية مندمجة في التفكير العميق لاتخاذ قرار هام، تجعلنا الذات التلقائية نختطف قطعة حلوى بسرعة في غياب انتباه الواعية المستغرقة في التركيز، ولذا فالخطوة الأهم في رفع الوعي بالذات والتخلص من سلوكيات التدمير الذاتي هي في تدريب تلك الذات التلقائية على مقاومة الإغراءات وتجاهل المشتتات، وتعطيل ردود الأفعال اللا واعية قبل أن تسبب لنا المشكلات. هناك تحدٍّ كبير في فكرة الهروب من العادات الاستحواذية، ولكن التقدم العلمي في علم الأعصاب يثير التفاؤل، فالأبحاث تتزايد في تأكيد فكرة العقل المرن القابل للتغيير، وأن أدمغتنا تتغيّر مساراتها وتنمو ماديًّا نتيجة لخبرات الحياة، فيستمر تكوّن شبكات اتصال جديدة بين الخلايا عندما نتعلم عادات جديدة، وتذوي المسارات القديمة بتعطيل استخدامها لفترة، وبإمكاننا إعادة ضبط العقل لتطوير نظام دوائر اتصال عصبية أكثر صحة وفعالية. كلمة السر هنا هي الاستمرارية والممارسة، وهي في متناول الأيدي إن صحت الرغبة، فقوة الإرادة ليست شيئًا تملكه أو لا تملكه كالعيون الزرقاء، بل مهارة تتدرب عليها، كلعبة التنس أو الكتابة على الكمبيوتر، حيث تنتظم يوميًّا في صالة التدريبات النفسية لتدريب جهازك العصبي على ردود الأفعال ودراسة الاستجابات كما تدرب عضلاتك، وفي كل مرة تتدرب على سلوك بديل فأنت تجعله أسهل عليك للقيام به في المرة القادمة.