هناك علاقة تبادلية طردية بين انتشار الفنون ورقي المجتمع ووعيه، فكلما زادت وتعمقت الفنون في مجتمع ما؛ كان أكثر رقيا وتطورا وشعورا بالإحساس والإنسانية. تأثير الفنون بمختلف أشكالها وأنواعها واضح حتى في طريقة التعامل بين الناس ونمو ذائقتهم الجمالية والإحساس بكل ما هو جميل والتعاطي مع الحياة بإيجابية ومسئولية. وعندما ينعدم الفن في مجتمع ما أو يخبو، فإن التأثيرات العكسية تبدو جلية وواضحة في غياب أي ذائقة جمال، وزيادة التوترات النفسية والاجتماعية. فالفن من سينما ومسرح وتشكيل وتصوير ونحت وخط وغيرها، تعتبر متنفسا طبيعيا يمتص التوترات ويهذب من تفاعلات الإنسان مع محيطه. فلا غرو أن تنحاز مختلف طبقات وشرائح المجتمع إلى أشكال متنوعة من الفنون للتعبير عن حاجتها إلى ما يخفف عنها ضغوط وأعباء الحياة، وإلى النظر إلى ما هو أجمل وأبعد وأرقى من قضايا اليوم. كان الكبار في السابق يلتفون حول «السحارة» يتفاعلون مع أغاني «حضيري ابو عزيز» و«ناظم الغزالي»، ويتلذذون بالاستماع إلى وترديد الأبوذيات، وهذا كان منتهى تفاعلهم مع الفن. وأظن أنه عندما غيب الفن عن المجتمع وتحول إلى عمل غير مرغوب فيه لاحقا، وتم نبذه وإقصاؤه اجتماعيا، غيب معه كل أعمال الفنون التي كانت تمارس بصور شعبية وطبيعية، ونشأ جيل جديد لا يعطي للفن أي قيمة أو تقدير. تم تغييب الفن المسرحي والمنولوجات الرائجة، وفرق الموسيقى الكشفية، والأغاني الشعبية في الأعراس والمناسبات السعيدة. نتذكر جميعا الفترة الذهبية التي برز فيها الفنان الكبير المرحوم عبدالحسين عبدالرضا، وكيف كان من خلال فنه الراقي يستقطب كل شرائح المجتمع وتتفاعل مع كل مفردة يقولها أو حركة يقوم بها. ولهذا نجد هذا التفاعل الكبير من قبل المجتمعات في الخليج في رحيل هذا الرمز الفني العملاق، الذي استطاع أن يشكل مدرسة فنية كبيرة بعمله وجهده المتواصل. رغم التغييب الكبير والطويل الذي شهدته الفنون في مجتمعنا، فإننا بحاجة في هذه المرحلة إلى نفض الغبار وإحداث تحول حقيقي في الاهتمام بالفنون وتطويرها وتعميقها في ثقافة المجتمع، وخاصة أننا نعيش مرحلة التحول والتغيير، وخلق حركة فنية تعيد الماضي الجميل وتستنهض وتحتضن الكفاءات الفنية الوطنية الشابة والتي لمع كثير منها خارج وطنه.