لم يُطالب بتدويل الحج أو الإشراف على الحرمين إلا ثلاثة، إيران الصفوية، ومعمر القذافي صاحب الشطحات الشهيرة، وقطر التي تهوى التناقض في كل شيء. منذ فجر التاريخ كانت «السقاية والرفادة» الخاصة بخدمة مكة وزوارها يقوم بها أهل مكة. فقد عرف المسلمون وأهل الجاهلية أن الأولى بخدمة الحجاج هم أهل مكة والدولة التي يتبع لها الحرم عبر القرون والدول التي حكمت الجزيرة العربية. تدويل الحج معناه أن ينظم الحج أكثر من دولة.. وجعله تحت إدارة دولية تسمح بالإشراف على الحج والمشاعر المقدسة ليكون مشاعاً لكل دولة تنتمي للإسلام. الدول التي تطالب بتدويل الحرمين أظنها لا تحسن إدارة شعوبها، وستعجز عن إدارة وفود لتظاهرة رياضية عالمية، فضلاً عن إدارة حشود مليونية.. ففي الحج حسب الإحصاءات الرسمية يصل عدد الحجاج قرابة المليونين وأكثر. لقد سخرت السعودية جهودها المادية والبشرية ولا تزال تبذل ما يعادل ميزانيات دول في خدمة مكة والمدينة لتكونا أفضل المدن، وتهيئة سبل وأسباب الراحة لزوار الحرمين الشريفين.. ومن حب قيادة وحكام هذه البلاد في خدمة المدينتين، التسمي بلقب خادم الحرمين الشريفين وهو لقب تلقب به ملوكنا الكرام. في موسم الحج الدولة بمختلف أجهزتها وقطاعاتها تعمل وتتواجد في مكة.. ويعتبرون تلك الخدمة تشريفا وليست تكليفا، والعام الماضي -مثلاً- تناقل الإعلام صوراً رائعة لجنودنا وهم يخدمون الحجاج، وكيف يدفعون عربة مسن، ويحملون عاجزا على كتوفهم...إلخ. والمطالبات بتدويل الحرمين دعوة تثار عند اقتراب موسم الحج، أو عند وقوع حادث ما للحجاج.. وهي دعوة غير صحيحة، فالعادة جرت منذ القدم أن السقاية والرفادة هي لأهل مكة. وأيضا المملكة لم تضعف همتها ولم تعلن عجزها عن إدارة الحج. وتدويل الحج يعني إفساح المجال لكل التيارات والمذاهب لممارسة طقوسها في الحج، فالمملكة تديره بالتوحيد الخالص لله تعالى، فلا حاجة للمسلمين بطقوس وثنية أو عادات جاهلية تفرض في الحج وتمارس على الملأ. الحج لن يتوقف على دولة أو غيرها.. الحجاج من كل البقاع يتدفقون.. وهذه الملايين هم رسل بلدانهم، سينقلون إلى بلدانهم الصور الحضارية والخدمات البشرية التي قدمت لهم..وهؤلاء هم الإعلام الناعم - إن صح التعبير- في نقل صورتنا الإيجابية للعالم. إذا كان الآخرون يستخدمون الإعلام لتشويهنا فقد جاءتنا ملايين من كل الدنيا، لو أخبر كل واحد من هذه الملايين عشرة أشخاص في بلده بما رأى لبلغت رسالتنا أصقاع الأرض. إن تلك المحاولات الهائجة لتسييس الحج أو تدويل الحرمين الشريفين لأغراض حزبية أو شخصية أو مذهبية سترتد على أصحابها، وستنكسر أمام وعد الله بأن يكون هذا البيت آمناً تهوي إليه أفئدة المؤمنين. أخيراً.. رفع شعار تدويل الحج ما هو إلا دعاية لتشويه صورة المملكة كدولة إسلامية رائدة، وحاملة وحامية للإسلام والنموذج الجميل والمعاصر لتطبيق الشريعة الإسلامية.