غالبا ما أنبّه القارئ الجاد حين أتجاوز تخوم الجد حفاظا على وقته الثمين. لكن موضوع هذا المقال مزيج من الجِد والدعابة التي نحتاج إليها بين حين وآخر في هذا الزمان المتجهم. يقال «الكِبَر شين». وقد تداعى إلى الذاكرة وأنا أهم بمناقشة هذه العبارة برنامج الكاميرا الخفية «عيش كتير». يقول الفنان ريمون خياط عن نجوم البرنامج: إن الممثلين -الذين تجاوز بعضهم العقد السابع من عمره- قد أثبتوا أن تقدم السن ليس عائقا أمام الأشخاص ليكونوا مرحين ومحبين للحياة. تعتمد كوميديا هذا البرنامج على المفارقة. كأن تطلب سيدة في العقد الثامن من عمرها من الصيدلي جهاز (اختبار الحمل)، أو تطلب من بائع أجهزة الكومبيوتر (لاب توب) هدية لأمها بمناسبة عيد الأم. الأمر الذي يثير الاستغراب والضحك. بيني وبين بعض الأصدقاء «قفشات» تتعلق بمسألة التقدم في السن. حيث يجد بعضهم متعة لا تضاهى حين يثبت أنني قد كَبِرت، وأحرصهم على ذلك الصديق الشاعر غسان الخنيزي. دار بيننا، قبل عقدين تقريبا، حديث عن حساسية البشرة الناجمة عن بعض مواد التنظيف، فسألني عن نوع الصابون الذي استخدمه، وحين ذكرت اسم الصابون ضحك قائلا: «كان جدي يستخدم النوع نفسه»! أراد أن يقول إنني في عُمُر جده. وذهبت مرة أعزيه في وفاة والدته. وحين قلت: «كانت الوالدة بمثابة أخت عزيزة علينا جميعا»، اعترض على استخدام كلمة «أخت» لأني، حسب زعمه، أكبر منها. هكذا لم يفوّت فرصة إثبات تقدمي في العُمُر حتى في هذه المناسبة. لنتجاوز دعابات الأصدقاء، ونتأمل سؤالا طرحه الروائي جيلبرت سينويه في روايته «صرخة الحجارة» هو: «هل نظرات من نحب هي التي تجعلنا شبابا»؟ يجيب سينويه عن السؤال قائلا: «بالتأكيد، فالمرء لا يكون جميلا إلا بما يستثيره عند الآخر». وأضيف إلى ذلك أن المرء لا يكون شابا إلا بما تختزنه روحه من طاقة شابة. فماذا عن الشيخوخة البيولوجية؟ يصور أبو نواس شيخوخته قائلا: «دبَّ فيَّ الفناءُ سفلاً وعلوا/ وأراني أموت عضوا فعضوا/ ليس من ساعةٍ مضتْ ليَ إلا/ نقَصَتْني بمَرّها بيَ جُزوا». هكذا نشيخ بيولوجيا، أما روحيا فإن الشيخوخة تأخذنا على حين غرة، وبالطريقة التي عبر عنها سينويه بقوله: «نقضي كل يوم وكل ليلة في التيه، بينما الحياة تمضي محاولة العثور علينا». وبعد: بدأت المساحة المتاحة لهذا المقال تضيق، ولم أكمل بعد الإجابة عن السؤال الذي اتخذته عنوانا لهذا المقال. لذلك سيكون للحديث صلة.