تبدو الحياة كرحلة بحث دائمة عن شيء مجهول، فهناك دافع عميق لدى الإنسان للبحث والتوق نحو شيء ما، وحالما يحصل عليه يصبح بلا معنى، فيستأنف البحث مجددا. الفقير يبحث والغني، المريض يبحث وكذلك المتعافى، القوي يبحث والضعيف، الغافل يبحث والذكي أيضا، وكأن ثمة حفرة سوداء في العقل البشري لا ينفك الإنسان يرمي فيها أمورا كثيرة، فتبتلعها لتظل فوهتها مفتوحة دوما وشرهة للمزيد. البحث يتواصل بغض النظر عما نمتلكه، فالإنسان مصاب بمرض البحث الذي لا يسمح لك بأن تكون موجودا هنا والآن، لأنه فكرة مفادها وجود مكان آخر تظل دوما عاجزا عن الوصول إليه، مما يجعلك تعيش حالة من الترقب المستمر، بحثا عن المفقود، غافلا عن شكر الموجود. تعيش الغالبية رحلة بحث مرهق لاكتشاف ما قد يشبعها خارجيا، لتعود في نهاية المطاف وقد هدرت العمر سدى في الاتجاه الخاطئ، لتجد الروح فارغة بلا معنى أو بركة، أما الحكيم فهو يبحر داخليا ويجتاز ظلمات الروح، للوصول إلى الفجر الباطني والتمتع بجمال جوهر الكينونة. في «منطق الطير» يتحدث فريد العطار عن رحلة الطيور الشاقة بحثا عن «السيمرغ» سيد الطيور، حيث تقطع سبعة مفازات صعبة قبل الوصول له في جبل قاف، يتساقط معظمهم وينسحب بعضهم، ولا يصل في النهاية الا أصحاب الطلب الصادق، ليكتشفوا انهم هم أنفسهم «السيمرغ» سيد الطيور، بعد ارتقائهم في مقامات الروح، وسطوع النور الداخلي نتيجة مجاهدة ذواتهم للوصول. يهدر معظمنا وجوده للحصول على أرباح مؤقتة الصلاحية، فما نحصل عليه في العالم الخارجي لا يقارن بثروة النور الداخلي، والاعتكاف على الذات لاكتشاف الكنز المتاح دوما بين أيدينا، وهذا ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي «تي إس إليوت» في رباعياته عندما قال: «تكون نهاية كل اكتشافاتنا بالوصول إلى حيث ابتدأنا، عندها نعرف المكان نفسه للمرة الأولى خلال بوابة لم نطرقها من قبل».