لم يعرف الجيل الذي أنتمي إليه -في صغره- غير قَصَّة شَعْر واحدة. نذهب إلى المزيّن فيجز شَعر رؤوسنا على الصفر، حتى تصبح رمادية اللون، ثم يمسحها بالدهان، لنعود إلى البيت مزهوين بصلعتنا الجديدة. كان المزيّن يسابق الزمن فيهَبُنا الصلعَ قبل الأوان. لكن الأمور لم تعد كما كانت. في هذه الأيام تنظر إلى قَصَّة شَعْر شبابية وكأنك أمام لوحة فنية. دعنا نستعرض واحدة من تلك «اللوحات» حيث خطَّ الحلاق بآلة الحلاقة في رأس صاحبها خطين مستقيمين أحدهما بموازاة الصدغ الأيمن، والآخر بموازاة الصدغ الأيسر. وبموازاة هذين الخطين إلى أعلى تمتد مساحتان مستطيلتان أشبه بأرض جرفت بمحراث آلي. ومن فوق الجبهة إلى قمة الرأس يمتد شعر كثيف نافر للأعلى كتاج من الريش الملون على رأس أحد الهنود الحمر، يساهم الهلام أو (الجل) في تثبيته. إذا كنت من الجيل السابق فقد تفكر على النحو التالي: «الشعر تاج على الرؤوس لا يراه إلا الصلعان. فلماذا يعبث بعض الشبان بلآلئ ذلك التاج؟». لهذه القَصَّة ولغيرها أسماء عديدة مثل: سبايكي وهايبستر وسليكد باك وإلى آخر تلك الأسماء التي تعرَّفت عليها بمساعدة (جوجل). وأما المراد من تلك التقليعات فهو تحقيق الجاذبية، ولفت الأنظار، وإثارة الإعجاب. لكن قد يرى بعضهم أن شَعر ألبرت آينشتاين الأبيض المنفوش أقرب إلى ذائقته. وما دام الشاب لا يعيش في كوريا الشمالية، وليس مجبرا على مجاراة الرئيس كيم جونج أون الذي فرض قَصَّة شَعره على الآخرين، فقد تكون قَصَّة الشَّعر الكلاسيكية أنسب. إلا أن الأذواق تتفاوت، والجمال نسبي، ولكل جيل تقليعاته، وبعض التقليعات لا تعمر طويلا. لذلك لا موجب للقلق. للاختلاف بين جيل وآخر تأثير على الذائقة. وهو اختلاف ناتج عن التغير الثقافي السريع الذي يساهم في تباين الأذواق في مجال الفنون والأزياء، ووسائل الترفيه، وأساليب العيش، وطرق التفكير. لذلك فإن استعراض بعض المظاهر لا يعني الاعتراض عليها أو القبول بها. ومن ثم يمكن اعتبار ما قلته من قبيل التفكير بصوت مسموع. لأنه لا يمكن حتى للقانون أن يتحكم في الذوق، كما يقول الرئيس توماس جيفرسون. وأيا كان شكل الزي أو شكل قَصَّة الشَّعر فإن السؤال الأهم هو: ماذا تخبئ تلك التقليعات؟ وماذا وراء تلك المظاهر، كلاسيكية كانت أم حديثة؟ وهل يتناغم الشكل مع المضمون، أم أن الأمور كما يقول المثل الشعبي: «مِن برَّه رخام ومِن جُوَّه سُخام»؟!