رمضان بمثابة مدرسة روحية وذاتية ينكفئ فيها الفرد على متغيراته واتجاهاته في الحياة بحيث يحصل على جرعات معرفية وإيمانية في أكثر أجواء الصفاء النفسي والذهني التي يمر بها طوال العام، ولذلك فإن الرابح هو من يكتشف القيم الإيمانية الكثيرة والمتعددة في هذا الشهر الفضيل الذي يعلمنا أكثر مما نتوقع لو أننا أدركنا الفيوض التي تحدث فيه ونحن نمسك عن الأكل والشراب تذللا وطاعة لله سبحانه وتعالى. مدرسة رمضان تفتح أبوابها لكل مسلم وتضعه طوال يوم الصوم في اختبار حقيقي لمعرفة قوته وسعة أفقه في استقراء علاقته بربه وكيف يجب أن تكون دوما في أفضل الحالات لأن في ذلك خيري الدنيا والآخرة، والخاسر من لم يستفد من هذه الأجواء الرائعة حتى لو كان مفطرا لأعذار شرعية، إذ لا يمكن أن تستوي أيام السنة وأيام رمضان المخصوصة بالذكر والاعتبار والفكر والحرص على كسب الأجر والثواب. يظل رمضان مدرسة يعلم الفرد فيها نفسه ويتعلم الكثير الذي يرتقي بسلوكياته وأخلاقياته سواء على صعيده الشخصي أم الاجتماعي في معاملاته مع الآخرين، ومن يخرج من رمضان وهو ليس أكثر صفاء ونقاء وتواضعا ورقة فإنه لم يكسب الكثير، لأن الشهر الفضيل فرصة ثمينة لتهذيب النفس وتربيتها وإعادة توجيه بوصلتها الى كل الخير الإنساني، ولا أتوقع أن يكتفي الشخص بأجمل الخصال والممارسات خلال رمضان كأن يتصدق ويحرص على صلاته وذكره وقراءة القرآن، ثم يتجاهل أو يترك ذلك مع انتهاء الشهر. من المهم أن يحافظ كل صائم أو غير صائم على أي متغيرات إيجابية اكتسبها خلال شهر رمضان، بل ويمكنه أن يستمر في الصيام عقب الشهر حينما يرغب في جرعة صفاء تساعده في قراءة نفسه والعالم المحيط، لأنه لن يدرك إلا كل ما هو خير، والجميل أنه في مدرسة رمضان يكون الفرد هو المدير ووزير التربية والمعلم والطالب، ويتجه بكل حواسه الى الله وذلك ينعكس على سمو روحه ويمنحه جرعة إيمانية ترفع وعيه وإدراكه لكثير مما يخفى عنه وسط زحام الحياة ومشاغلها. ينبغي أن يسعى كل صائم للاستفادة القصوى من رمضان في إطار الكسب الفكري الى جانب تحصيل الأجر، لأن إعمال الفكر خلال الشهر يرفع القدرات الذهنية ويرتقي بها الى مستويات أرفع من الرقي والرقة والتراحم وحسن التعامل، ولا يمكن أن تجد سلوك شخص هو نفسه قبل وبعد رمضان، لابد أن يحدث اختلاف لأن هناك متغيرات كثيرة حدثت وذلك أحد أهم أفضال الشهر علينا... وربنا يتقبل منا جميعا.