في المملكة المتحدة وعبر أوروبا، اتسمت معظم الأضرار التي تلت نتائج الاستفتاء البريطاني بالقلق من انعكاس سياسات السوق المفتوحة والحدود المفتوحة التي قدمت إضافة لكل من المملكة المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي. ومع قيام الحكومة المحافظة التي تترأسها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بإعلان الطلاق النهائي مع الاتحاد الأوروبي، فإن الخوف من تصويت المملكة المتحدة على الحكم الذاتي وتقرير المصير يوازي المخاوف العالمية بشأن تأثير السياسة الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس ترامب على الأسواق العالمية، والتي يرى الكثيرون أنها كانت أكثر ملاءمة للمناخ الاجتماعي والاقتصادي في الخمسينيات والستينيات، وذلك وفقًا لما ذكره السيد جاكوبسن. كما قد تواجه فكرة السوق المفتوحة في أوروبا المزيد من التحديات في المدى المنظور بالتزامن مع استمرار تكشف السياسة التي ترسم ملامحها أهداف السيادة الوطنية، ولا سيما في فرنسا حيث يمكن أن تشهد مسألة فوز لوبان بالسباق الرئاسي عودة الفرنك الفرنسي وإجراء استفتاء فرنسي على عضوية الاتحاد الأوروبي. ولا تقتصر حالة التوتر على أوروبا والولاياتالمتحدة فحسب، حيث صرح رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لون مؤخرًا في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية 'بي بي سي‘ أنه قد يصبح من الضروري اختيار أحد الجانبين المتمثلين بالولاياتالمتحدة أو الصين، وفي ذات الوقت وبالنسبة للمنطقة الخليجية، فإن حالة عدم الاستقرار خلقت فرصًا جديدة للازدهار مع استفاقة الأسواق الإقليمية على وقع أسوأ السيناريوهات الممكنة لدول منقسمة بسبب الاضطرابات السياسية وإغلاق الحدود والسوق المفتوحة الضعيفة. في حين قد تحتاج دول المنطقة الخليجية ومنطقة الشرق الأوسط ككل لإيجاد توازن سياسي؛ بهدف الحفاظ على التحالفات التي تجمعها مع كل من الولاياتالمتحدةوالصين، قد يشهد العالم المنقسم بين قطبي الشرق والغرب تدفق رؤوس الأموال إلى المناطق الاقتصادية الصغيرة في نهاية المطاف، الأمر الذي قد يشكل فرصة كبيرة لسوق الديون الخليجية للحصول على زخم هائل باعتبار أن مسألة إعادة بيع رأس المال للولايات المتحدة أصبحت أقل إلحاحًا. تمتلك أسواق الديون الخليجية فائضًا في العوائد بالنسبة لخزائن الولاياتالمتحدة، الأمر الذي يجعل مسألة التعرض للدولار ممكنة دون أي أموال فعلية تتواجد في الولاياتالمتحدة. ومع وضع المزيد من احتياطيات الدولار خارج حدود الولاياتالمتحدة، يمكن أن تصبح سوق الدين الخليجية مربحة إلى حد كبير، ليس فقط بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، بل أيضا بالنسبة للمستثمرين الآسيويين والأوروبيين. وقد شهدت سوق رأس المال الشرق أوسطية نموًا وفق معدل مثير للإعجاب خلال العام الماضي، ومن أجل قيام منطقة دول مجلس التعاون الخليجي لاحتكار إمكانية إنشاء أسواق رأس مال أكثر عمقًا، ينبغي أن تكون هناك رؤية سياسية واضحة وشفافة للمنطقة. وفي حال كان من الممكن جعل أسواق رأس المال عميقة بما فيه الكفاية لاستيعاب صافي الوفورات الفائضة بأكمله في منطقة الشرق الأوسط، بدلا من تلك الوفورات الفائضة التي تذهب إلى الخارج، ينبغي من الناحية النظرية أن يكون هناك قاعدة إيداع أعلى والتي من شأنها أن تستقطب مستويات أعلى من الاستثمارات الداخلية. هذه الفرصة لتحقيق الازدهار الاقتصادي تأتي في وقت تعتبر فيه تحركات من أمثال تطبيق دولة الإمارات العربية المتحدة لقوانين الإفلاس وإصدار السندات السعودية بمثابة إشارات قوية للغاية إلى بقية العالم مفادها أن المنطقة الخليجية لاتزال جيدة ومفتوحة بشكل فعلي أمام الأعمال. إذا استمرت دول منطقة مجلس التعاون الخليجي بإطلاق مبادرات تجعل نظامها المالي منسجمًا مع النظام الدولي، جنبًا إلى جنب مع الميزة الجغرافية الهائلة التي تمتلكها، ستصبح المنطقة مؤثرة بصورة متزايدة في عالم يزداد انقسامًا إلى قطبين رئيسيين.