معترك حياة الانسان لا يخلو من تقلبات تجعله يفكر كثيرا في نظام حياته، وهذه التقلبات هي في الحقيقة محطات للتفكير والترتيب وتجديد الاولويات واتخاذ القرارات لحياة أفضل، ولا أكون مبالغا عندما اقول ان الحل الامثل لمواجهة هذه التقلبات هو التوازن في الحياة، بل ان التوازن يجب ان يكون نمط حياة وسلوكا يوميا للانسان في شتى مجالات الحياة، فالمسلم متوازن في مأكله ومشربه ونومه، متوازن في طلب معيشته ومتوازن في علاقاته الاجتماعية، ومتوزان في عواطفه ومشاعره بل حتى في عبادته لربه جل وعلا، يقول الله تبارك وتعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة..) الاية. فاهتمامهم بطلب الرزق والتعب بتحصيله لم يشغلهم عن القيام بحق الله وامتثال أوامره، توازن بين أداء الواجبات الدينية والدنيوية ويقول الله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط). هذه القيمة السلوكية «أعني التوازن» منهج سماوي لا يمكن أن يزايد عليه أحد او إغفال قيمته الحقيقة في الحياة، بل ينبغي أن يُعنى به في محاضن التربية وفي البيوت ليكون نمط حياة. وفي قصة زيارة الصحابي الجليل سلمان الفارسي لأخيه الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنهم اجمعين منهجا واضحا في التوازن، فقد زار سلمان الفارسي أبا الدرداء رضي الله عنهم فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك؟ فقالت إن اخاك أبا الدرداء ليس به حاجة في الدنيا، فجاء ابو الدرداء فصنع لسلمان طعاما فقال أبو الدرداء لسلمان كل فإني صائم، قال سلمان: ما انا بآكل حتى تأكل فأكل أبو الدرداء، فلما كان الليل ذهب ابو الدرداء ليصلي قيام الليل فقال له سلمان: نم فنام أبو الدرداء ثم ذهب ليقوم فقال له سلمان نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم صل الآن، فصليا جميعا فقال سلمان: إن لربك عليك حقا، وان لنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فاعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرله ذلك فقال صلى الله عليه وسلم «صدق سلمان». فاذا كان التوازن مطلوب في العبادة وهي كلها خير، فغيرها من امور الحياة أولى، فالتوازن قيمة حياتية لا يتقنها الا الموفقون، جعلني الله واياكم منهم.