رسالة الحياة تلزمنا بالقيام بعدة أدوار في العبادة والعمل والدراسة والصداقة والزواج وغير ذلك، فهل نجحنا في بناء توازن بين هذه الأدوار ، بشكل يحقق نتائج أكثر فاعلية في حياتنا ؟ إن كثيرًا من التعاسة في حياتنا يأتي من الإحساس بالخلل في الموازنة بين تلك الأدوار ، فقد أكون ناجحًا في دوري بمجال عملي، لكني لست بهذه الدرجة من النجاح في دوري كأب أو زوج، وقد يكون الطالب أكثر انشغالا بأصدقائه على حساب دراسته وأسرته، ونموذج المراهق غير الناضج مثال صارخ على غياب التوازن فهو لا اهتمام له إلا برغباته الشخصية والبحث عن المتعة بأي طريقة ممكنة في غير اكتراث. توازن الأدوار Balance roles هو : إعطاء كل دور حقه بما لا يطغى على الأدوار الأخرى، وقد عبر القرآن الكريم عنه بكلمة (الميزان) في قوله تعالى : (( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)) سورة الرحمن : 7-9. وفي الآيات ربط بديع بين التوازن الكوني والتوازن الحياتي بين جوانب الحياة المختلفة (الإيمانية والصحية والمهنية والمالية والاجتماعية والشخصية والعائلية). وقد أقر النبي (صلى الله عليه وسلم) مقولة سلمان : (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ) رواه البُخاري. ولهذه المقولة قصة تكشف عن ضرورة معالجة خلل التوازن في البيت، فعندما َزَارَ سَلمَانُ أبَا الدَّرْدَاء - رضي الله عنهما - رَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فقَال لهَا : ما شَأْنُكِ؟ قالتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ له حَاجَةٌ في الدُّنْيَا، تقصد أنه شُغل بنوافل القيام والصيام عن الوفاء بحقوقها الزوجية فَأَتَى النَّبِيَّ ( صلى الله عليه وسلم ) فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فقَالَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) : ((صَدَقَ سَلْمَانُ)) وفي هذا إشارة إلى أهمية العودة إلى المرجعية المتمثلة في هدي النبوة التي أقرت كلام سلمان رضي الله عنه. والحق أن السُّنة هي منهج عملي لتوازن الأدوار ، وقد قال (صلى الله عليه وسلم ) للمغالين : ( أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) رواه البخاري. يقول ستيفن ر. كوفي (Stephen R. Covey) : "إن التوازن لا يعني: إما هذا أو ذاك؛ إنه يعني : بالإضافة إلى...". وأول خطوة لتحقيق توازن الأدوار هي تحديد أدوارنا في الحياة، فالأدوار ما هي إلا مسارات تحقق رؤيتنا وأهدافنا، فاسأل نفسك سؤالًا واضحًا : ماذا أريد أن أكون؟ ثم ابن أهدافك على أساس رؤيتك ورسالتك في هذه الحياة، واسترشد بقوله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا...) القصص : 77. إن التحديد الواضح لأدوارك التي تمارسها يضع لك إطارًا فطريا يضمن لك التوازن والتكامل داخلك؛ فالحياة ليست مجرد أسرة أو وظيفة أو علاقة معينة، وإنما هي كل هذه الأدوار مجتمعة. والخطوة الثانية هي : تحديد الأولويات، فعليك وضع قائمة بالأولويات في ضوء أدوارك وحدد ما هي الأمور الأكثر أهمية بالنسبة لك حتى لا تعرّض الجهود والطاقات للهدر والضياع. وهكذا أرشد النبي (صلى الله عليه وسلم ) عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، حيث لامه على إهمال زوجته، فَقَالَ : أَمَا لَكَ بِي أُسْوَةٌ ؟ , قَالَ : ( بَلَى، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك )، والأسوة النبوية في التوازن بين نوافل العبادة والحقوق الزوجية، وكذلك بين واجبات العمل ومسؤوليات رعاية الأسرة، وما بالك بمن يضيع حقوق أسرته في سهرات صاخبة مع أقرانه أو أسفار إلى مراتع الشهوات؟ والخطوة الثالثة : بذل الجهد في تفعيل خطتك، وتنفيذ الأهداف وتحويلها إلى إنجاز على الأرض، وحسبك هذا العتاب القرآني : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف : (2). والخطوة الأخيرة هي : تقييم مدى تقدمك في الفترة الزمنية التي حددتها، وأعط لنفسك فرصة لتصحيح أهدافك، وانظر إلى ما قدمته كما أرشدنا القرآن الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } سورة الحشر : 18. ماذا حققت من أهداف؟ ما التحديات التي واجهتك؟ ما القرارات التي اتخذتها ؟ ما الأسلوب الأمثل الذي يجعلك تتقدم في تحقيق أهدافك؟ أنا أؤمن بأن توازن الأدوار جدير بأن يضاف إلى مشروع ترقية الذات، فهل تشاركني هذا الإيمان؟.