الإلهام قد يظهر كومضة قصيرة، تأتي في لحظة، وتتلاشى بعدها، ولكن أحيانا تستطيع أن تتجرع الإلهام تجرعا كما حدث في فعالية «اجنايت ظهران» (Ignite Dhahran) في نسختها الخامسة يوم الجمعة الماضي. وكلمة «اجنايت» تعني إشعال أي إشعال الحماس. المبدأ بسيط. عروض قصيرة لا تتجاوز 5 دقائق لسرد قصص نجاح وإلهام منها ما له علاقة باكتشاف وتحدي الذات والشغف ومنها ما نتج عنها مشروع أو مسار مهني. تنوع جميل لقصص شابات وشباب مسكوا زمام أمورهم واختاروا طريقهم. أتى «الملهمون» الستة عشر من خلفيات متنوعة. وإن كان لكل منهم قصته الخاصة لرحلة بحث وإصرار ونجاح إلا أن القواسم المشتركة كانت واضحة من خلال حديثهم وسأستعرض بعضها هنا. فمثلا اثنان من المتحدثين قررا تغيير حياتهما بالكامل بعد التعرض لحادث وإحساسهما بأنهما لم يقدما شيئا طيلة السنوات الماضية. تقريب النهاية المتوقعة لذهنيهما أجبرهما على إعادة النظر في حياتهما والسعي لتقديم ما يجعل لها قيمة. تكررت كذلك فكرة توسيع الأفق من خلال السفر أو القراءة ولا يختلف اثنان على أنه بعد أن يتسع أفقك فمن المستحيل أن ترجع لما كنت عليه من قبل. ولعلي هنا أركز على أهمية القراءة مجددا، فهي الصفة التي يشترك فيها الناجحون؛ كونهم مستمرين بالتعلم وشغوفين به. إن لم تحب القراءة قد تكون ممن لم يكتشف ما يحب أن يقرأ بعد. كتاب ممل واحد يستند إليه البعض في تأكيد أنهم لا يحبون القراءة. لو قسنا ذلك على الطعام وأجزمنا بأننا لا نحبه لأننا ذقنا طبقا لم يعجبنا لما بقي منا أحد. كما الطعام يغذي الجسم فإن القراءة تغذي الروح والخيال ولا غنى عنها. البعض يولد بحماس وطاقة ويلحق بطبيعته الفرص أو تتوفر في محيطه إلا أن ما لفت انتباهي هو أن عددا لا بأس به من المتحدثين جاء من بلاد الفشل، لدرجة أن أحدهم بدأ عرضه بكلمة «أنا فاشل» وأنهى عرضه بإعلان تخرجه حديثا كمحام وبين هاتين المحطتين رحلة طويلة من البحث وتغيير المسار والتحديات والإخفاقات. ما لا يعلمه الكثيرون هو أن النجاح ليس نجاحا واحدا يتلوه توقف وحصد ثمار. بل إن النجاح يجب أن يكون متتابعا وبنمو مستمر. أما الفشل فهو ليس النتيجة النهائية بل فقط مرحلة تحد تتطلب تعاملا خاصا معها. إن كنا نرى قصصنا كأنها فيلم متوقعين كلمة «النهاية» فما الذي يأتي بعدها؟ قصصنا مستمرة ومتداخلة ومساحة الخطأ والتعلم والنمو واسعة إن سمحنا لأنفسنا بأن نخطئ ونتعثر ولملمنا أنفسنا للاستمرار. من مقومات النجاح، الاختيار الواعي، وعدم الانجراف دون تفكير كأن حياتنا شيء لا يعنينا. إن التغيير لا بد أن ينبع من الشخص نفسه ليستمر، ووجود بيئة داعمة تساعد على ذلك، وإن لم تكن الأساس. فهناك الذين تحدوا بيئتهم التي تذكرهم باستمرار بمن كانوا ولا تتوقع استدامة التغيير، ومع ذلك استمروا لأن قناعاتهم الداخلية ودوافعهم كانت أقوى. ولعلي أختم بمقولة أعجبتني، تلخص ما سبق، وإن كنت لا أعرف قائلها، وهي: «إن لم يعجبك مكانك، تحرك. فأنت لست شجرة!»