عقد في الرياض الشهر الماضي اجتماع اللجنة المختصة بالأجهزة المسؤولة عن حماية النزاهة ومكافحة الفساد، حيث تصدر مشروع اتفاقية مجلس التعاون الخليجي لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد جدول الأعمال، والتي تعتبر خطوة أساسية لتعزيز البنية التشريعية الخليجية لمكافحة الفساد على مستوى دول المجلس. ووفقا لتصريحات المسؤولين في هذه اللجنة، فقد قطعت الاتفاقية مراحل مهمة وما زال العمل جاريا عليها لكون دول المجلس حريصة على أن تكون الاتفاقية بناءة وفاعلة، بحيث تطبق على أرض الواقع وتؤدي الدور المأمول منها. وسوف تضع الاتفاقية قواعد استرشادية للعمل لمكافحة الفساد بين الدول الخليجية وهو عنصر مهم جدا، كما هناك جانب مهم وهو وضع قواعد تحكم سلوك وأداء الموظفين المعنيين بمكافحة الفساد. كما سوف تتضمن الاتفاقية تنظيم التعاون الدوري بين دول المجلس في مجال مكافحة الفساد على المستوى الاتفاقية الأممية أو على مستوى الاتفاقية العربية. وتبين المؤشرات الدولية أن دول المجلس حققت تقدما في مجال مكافحة الفساد، حيث يبين تقرير مؤشر الفساد لعام 2016، الصادر من منظمة الشفافية الدولية التي يقع مقرها في برلين أن قطر والإمارات والسعودية هي الأقل فسادا بين الدول العربية. إن الفساد الإداري والمالي ظاهرة عالمية تعاني منها كافة المجتمعات، ومن صور الفساد الإداري استغلال المركز الوظيفي والتزوير وتعيين الأقارب والأصدقاء في مناصب لا تناسب مؤهلاتهم، حيث يؤدي الفساد الإداري بالنهاية إلى الفساد المالي، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك عندما يكون الفساد منهجا، وحينما تذوب القيم والمبادئ فيصبح الفساد مألوفا والتحايل على النظام أمرا إبداعيا، ومن ثم يصبح عائقا رئيسيا أمام برامج التنمية. ويعرف صندوق النقد الدولي الفساد بأنه «استغلال السلطة لأغراض خاصة» سواء في تجارة الوظيفة أو الابتزاز أو المحاباة أو إهدار المال العام والتلاعب فيه، سواء كان هذا مباشرا أو غير مباشر، كما أصدرت منظمة الأممالمتحدة عددا من القرارات لمحاربة ومكافحة الفساد للقضاء عليه أو الحد منه، إضافة إلى أن البنك الدولي قد وضع عددا من الخطوات الإستراتيجية لمساعدة الدول لمواجهة الفساد والحد منه، إلى جانب منظمة الشفافية العالمية التي وضعت عدة تشريعات إستراتيجية لمواجهته، كما صادقت دول المجلس على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمحاربة الفساد وإساءة استعمال السلطة الوظيفية، ووضع حد لانتشارها في المجتمع. إن فترات الطفرة التي عاشتها دول التعاون أحدثت فجوة في البنية الاجتماعية، حيث كان لهذه الفجوة تأثير سلبي على القيم لدى بعض الأشخاص، كما أن هناك أسبابا تربوية وسلوكية وأسبابا اقتصادية وأسبابا قانونية ساهمت في وجود هذا الخلل، كما أن الصياغات واللوائح القانونية التي كانت موجودة آنذاك ساهمت في الفساد الذي تسعى دول التعاون للحد منه. ويعتبر الفساد الإداري والمالي أكبر معوق التنمية، ولذلك لا بد من أن تكون هناك مؤسسات رقابية خاصة مستقلة تشرف على العمل في الهيئات الحكومية، وليس الحكومية فحسب، بل وبعض مؤسسات القطاع الخاص؛ لأن في هذه المؤسسات أموالا للناس، كذلك يجب تحسين الوضع الوظيفي للأفراد وتطوير القواعد النظامية المطبقة، وتكثيف الجهود الخاصة بالتوعية. وعمدت دول التعاون لمواجهة ظاهرة الفساد من خلال وضع آليات معنية وهي نظام الإجراءات الجزئية، ونظام المرافعات، ونظام المحاماة، إضافة إلى إقرار إستراتيجيات وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، حيث تعمل هذه الأنظمة على الحد من الفساد بصورة غير مباشرة. وأظهرت الدراسات التي أجرتها منظمة الشفافية العالمية أن هناك علاقة عكسية حقيقية بين التنافسية ومستوى الفساد في أي دولة، فكلما زادت القوة التنافسية لدولة ما قل مستوى الفساد فيها، وكلما زادت نسبة الفساد قلت قوتها التنافسية بين الدول. وقد أظهر المقياس العالمي للفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية لعام 2016 أن نسبة الذين دفعوا رشوة في بلدان الشرق الأوسط بلغت 40%، مقابل 5% في أوروبا و2% فقط في شمال أمريكا. وعندما يستشري الفساد في بلد ما، فإن ذلك سيؤدي إلى زعزعة الثقة في النظام الاقتصادي وزيادة البطالة وتفشي الفقر لعدم الكفاءة والمساواة، ومن آثاره أنه سيؤدي إلى التلاعب بأموال الدولة أو إهدارها، كما يؤدي انتشار الفساد إلى ضياع الحقوق وزيادة والخلافات بين الناس. لذلك، فإن خلق ثقافة الوعي العام، التي ترتكز على الوضوح وترسيخ وتعزيز مبدأ الشفافية على أرض الواقع، أصبح مطلبا حضاريا وإنسانيا للقضاء على الفساد ولخدمة الأهداف التنموية وتعزيز الثقة بالتعامل في دول التعاون. كما أصدر عدد من دول التعاون إستراتيجيات وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وهي بلا شك خطوة إيجابية سليمة في مجال مكافحة الفساد، لكن النظام وحده لن يحقق تقدما كبيرا، ويبقى التقدم الفعلي القائم على الخطط والهيئات المتخصصة والآليات التنفيذية الواضحة لتعزيز تطبيق هذه الإستراتيجيات بشكل مجد، كما تلعب مؤسسات المجتمع المدني المستقلة دورا كبيرا وجوهريا في المساهمة في تسليط الضوء على هذه الظاهرة ومحاربتها. كما أن على دول التعاون وضع برامج تنفيذية منبثقة عن استراتيجيات مكافحة الفساد تتضمن مبادرات وآليات تنفيذها وفقا لمؤشرات تقيس مدى فاعليتها ونتائجها وتقويمها. كذلك ضرورة تفعيل دور المؤسسات ذات الصلة بالمراقبة والنزاهة وإنشاء هيئة مستقلة تعنى بالفساد المالي للقطاعين العام والخاص، إلى جانب وضع لوائح وأنظمة فاعلة لتقويم أداء المؤسسات الحكومية لمكافحة الفساد المالي والإداري. وفي الجوانب الحكومية والتربوية، تبرز أهمية تحفيز موظفي الجمارك والحدود والمراقبة لمنع تهريب الأسلحة والمخدرات، إلى جانب وضع المناهج التربوية والثقافية التي تربي الفرد على القيم السامية وتغرس الولاء والانتماء لدى الناشئة وتعزيز مفهوم النزاهة وتنمية الحس الديني والوطني.